قبل عشرين عامًا، وبين جدران منزله في رام الله، استوقف شاب في المرحلة الثانوية صوتٌ غير مألوف: أنين كمانٍ يشقّ السكون من مدرسة موسيقى افتُتحت حديثًا قرب الحي. لم يكن الصوت مجرد لحن عابر، بل لحظة تحوّل غيّرت حياة شحادة شلالدة إلى الأبد.

منذ تلك اللحظة، انجذب شلالدة إلى الموسيقى بقوة ساحرة، وقاده هذا الشغف في رحلةٍ امتدت من فلسطين إلى إيطاليا وفرنسا وبريطانيا، ليصبح اليوم، في عمر الثامنة والعشرين، صانع الكمان المحترف الوحيد في فلسطين.

ورغم وجود صانعين آخرين للآلات الموسيقية في البلاد، إلا أن معظمهم يقتصر على الآلات الشرقية التقليدية، بينما اختار شلالدة طريقًا مختلفًا، غاص في عالم الكمان بكل تفاصيله الدقيقة والمعقّدة.

في أيام دراسته الثانوية، كان يقضي ساعات طويلة في مدرسة الكمنجاتي الموسيقية، أحيانًا متغيبًا عن المدرسة ليبقى في حضرة الأوتار والخشب والأنغام. هناك، تعلّم كيف يُصلح الآلات ويصنعها من الصفر، كيف يُنحّي الخشب بدقة، ويصقل الحواف ليبرز المنحنيات الدقيقة، وينحت الثقوب على شكل حرف F، وفقًا للتقاليد الكلاسيكية العريقة لصناعة الكمان.

مدرسة الكمنجاتي، التي تأسست عام 2002 كجمعية غير ربحية، كانت هي الباب الذي دخل منه شحادة إلى هذا العالم. تقوم الجمعية على فلسفة ترى في الموسيقى حقًا لكل إنسان، ومساحة آمنة للتعبير والإبداع، خاصة للأطفال الذين يعيشون تحت الاحتلال وفي مناطق النزاع.

يقول شلالدة:

“كبرت في منطقة حرب. لم أعتقد أنني سأنجو. وفّرت لي صناعة الكمان سبيلاً لأظل على قيد الحياة. كانت فرصةً لأرى العالم، وأقدّم شيئًا لمجتمعي — محاولة لإحلال السلام عبر الموسيقى”.

شحادة اليوم ليس مجرد صانع كمان، بل رسول موسيقى في أرض تعاني من الضجيج والصراع. يحوّل الخشب إلى صوت، والآلة إلى لغة، والسكون إلى رسالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *