نابلس-

مع اعلان نتائج امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) في فلسطين، تدفق آلاف الطلبة على الجامعات والمعاهد التعليمية لتقديم طلبات التحاق. ورغم توفر فرق الإرشاد التي تساعد الطالب في التعرف على التخصصات التي توفرها كل مؤسسة تعليمية، إلا أن الكثير من الطلبة يواجهون صعوبة في اختيار التخصص الذي يلبي طموحاتهم من ناحية ويوفر لهم فرصة عمل تؤمّن لهم حياة كريمة مستقبلا.

وأمام قائمة طويلة من التخصصات الأكاديمية أو المهنية، يقف الطالب حائرا تتنازعه ضغوطات الأهل ورغباته الشخصية وتحديات سوق العمل بعد التخرج.

المستشارة التربوية الخبيرة في التخطيط للتعليم في جامعة النجاح الوطنية د. سائدة عفونة، تحدثت لـمنصة “البيت المهني” حول أفضل السبل لاختيار التخصصات الجامعية، والتخطيط للبرامج التعليمية الجامعية واحتياجات السوق الفلسطيني.

وبينت د. عفونة أن رحلة اختيار التخصص الجامعي تبدأ من الذات، إذ يأتي في المقدمة الرغبة الشخصية للطالب وميوله الشخصية، وعليه هو أولا أن يحدد أين يجد نفسه مستقبلا.

ويرتبط بذلك الاستعداد النفسي، سواء من حيث المعدل أو الاستعداد النفسي، فكل تخصص يتطلب علامة معينة وأيضا توافقا في الميول والاستعداد، فالشخص الخجول -مثلا- لا يستطيع العمل محاميا، ومعرفة الميول والاستعدادات يكون من خلال اختبارات لمعرفة أنسب المهن لكل شخص.

وتشير عفونة إلى ان نسبة الطلبة الذين يعرفون ماذا يريدون قليلة في المجتمع الفلسطيني، وقد لا تتجاوز 10%، وتعزو ذلك لعدة أسباب؛ أهمها ان الطالب نشأ على أن يكون متلقيا وهناك من يخطط له، سواء من أهله أو معلمه أو مدرسته، وأيضا لعدم توفر الارشاد المهني في المدرسة، بحيث يتم تعريفه وهو في المرحلة المدرسية بالمهن المختلفة ومستقبل كل تخصص.

وأوضحت د. عفونة أن الكثير من دول العالم تقدم للطالب إرشادا مهنيا وهو في الصف العاشر، لكي يستطيع تحديد توجهاته المهنية مبكرا، في حين أن مجتمعنا يكون توجه الأهالي لابنهم منذ سنوات عمره الأولى أن يكون اما طبيبا او مهندسا.

وتقول د. عفونة إن ضغوط الاهل تمثل مشكلة كبيرة يواجهها الطلبة في تحديد تخصصاتهم، فكثير من الأهالي يريدون من أبنائهم تحقيق ما فشلوا هم في تحقيقه لأي سبب كان، وهذا كثيرا ما يقود إلى سوء اختيار التخصص المناسب، وقد ينتهي بلجوء الطالب لتغيير تخصصه في مرحلة ما من دراسته الجامعية، وبعض الطلبة تركوا دراسة الطب في السنة الأخيرة رغم انهم متفوقون، وفي هذا خسارة للوقت والمال.

وبينت عفونة أن أحد العوامل المؤثرة في تحديد التخصص هو الرغبة في تحقيق الذات والمكانة الاجتماعية، ويكون هذا العامل أكثر وضوحا خاصة بين الفتيات اللواتي لا يبحثن عن فرصة عمل -حاليا- بقدر بحثهن عن المستوى الاجتماعي.

أما تحديات سوق العمل، فهي من العوامل الهامة التي ينبغي للطالب أن يأخذها بعين الاعتبار عند اختيار تخصصه.

وتنصح عفونة الطلبة بعد تحديد ما يرغبون بدراسته، أن يستمعوا لنصائح الأهل لكن بعيدا عن الضغوط، وكذلك أن يطلعوا على كل التخصصات المتوفرة في الجامعة قبل التوجه للتسجيل فيها.

وأشارت إلى أن بعض الطلبة يقرأ اسم تخصص ما، فيرغب بأن يلتحق به دون معرفة طبيعة هذا التخصص، وعلاقته بسوق العمل، وعدد الخريجين فيه، ونسبة البطالة في صفوفهم.

وأكدت ضرورة معرفة التخصصات المطلوبة في السوق المحلي والعربي وأخذها بعين الاعتبار، مشيرة إلى وجود بعض التخصصات التي تعتبر نادرة وهناك نقص في المتخصصين فيها في فلسطين كتخصص الطب النفسي والإرشاد النفسي بسبب الازمات التي يمر بها الفلسطينيون بفعل الاحتلال، وكذلك تخصصات الذكاء الاصطناعي وكل ما يتعلق بالتخصصات الرقمية؛ مثل الاعلام الرقمي، وتصميم وبناء الشبكات.

وأوضحت أن هناك عزوفا شديدا عن بعض التخصصات مثل اللغة العربية، والفيزياء للذكور، وهذا ما قد يؤدي إلى ندرة المعلمين في هذه التخصصات قريبا، بينما هناك إقبال شديد على تخصصات أخرى؛ مثل الطب بشكل يؤذي خريجي هذه التخصصات خلال السنوات قادمة.

وبينت عفونة أنه يمكن الحصول على المعلومات عن التخصصات من الصفحات ومواقع الالكترونية للجامعات، والتي توفر شرحا مفصلا لكل تخصص ومساقاته ومجالات عمله.

بينما يمكن الحصول على معلومات عن سوق العمل لهذا التخصص، من التقارير الدورية التي ينشرها الجهاز المركزي للإحصاء حول البطالة في التخصصات، او من خلال وزارة العمل، كما يمكن للاهل من خلال خبرتهم أن يساعدوا في تحديد توجهات سوق العمل.

وبينت أن قطاع غزة كحالة استثنائية بحاجة للكثير من التخصصات بسبب استشهاد عدد كبير من المتخصصين في كل التخصصات.

وحثت عفونة الطالب على عدم انتظار أن يأتي من يخبره ماذا يفعل، وإنما عليه ان يبادر ويبحث من تلقاء نفسه، فالحياة الجامعية مختلفة عن المدرسة، منوهة إلى ان كثيرا من طلبة الثانوية يأتي للجامعة وقد اعتاد على التلقي السلبي، ليجد وضعا مختلفا بالجامعة.

وشددت على ضرورة أن يجتهد الطالب في التخصص الذي يختاره ويتميز من خلال المشاركة في الجمعيات الطلابية، والالتحاق بدورات تدريبية طوال فترة الدراسة، والمشاركة بأنشطة مجتمعية، وهذا يساعده في الالتحاق بسوق العمل المحلي او العربي بشكل أسرع.

وأوضحت أن التدريب وتطوير الذات يمكن الحصول عليه من خلال الجامعات عبر مراكز التعليم المستمر التي توفر دورات بأسعار رمزية للطلبة، أو من خلال منصات تدريبية إلكترونية توفر تدريبا ذاتيا بأسعار رمزية او مجانية مثل منصات “إدراك” و”كورسيرا”.

وأشارت إلى أن هناك عشرات المنصات التي توفر الدعم والفرص التدريبية المجانية للفلسطينيين كدعم لفلسطين.

وأوضحت أن الكثير من البرامج الأكاديمية فيها مساقات تدريب عملي خلال سنوات الدراسة، ويجب أن يأخذ الطالب هذا التدريب على محمل الجد، فهو ليس نزهة، بل هو المفتاح لسوق العمل، لانه يُعرّف الطالب على الشركات او المؤسسات، ويعطي المجال للشركات والمؤسسات للتعرف على الطالب وما يملكه من مهارات، مما يفتح آفاقا وفرصا للعمل.

كما ينبغي للخريج عدم انتظار الحصول على الوظيفة، بل ان يسعى لإنشاء عمله الخاص مهما كان صغيرا وبسيطا. ويمكنه الاستفادة من الكثير من المنح التي تقدمها مؤسسات، مثل منح “الفاو” لطلبة الزراعة والطب البيطري، وللحصول على هذه المنح يجب ان يكون الطالب مبدعا ومتميزا، وهذا يأتي من خلال العمق في الدراسة والمشاركة، وعمل موازنة ما بين التعلم الذاتي والتعلم الجامعي، والاستمرار في التعلم دون توقف.

التخطيط للتخصصات

وبموازاة التحديات التي يواجهها الطالب في اختيار التخصص المطلوب، تقف مؤسسات التعليم العالي أمام تحديات التخطيط للبرامج الأكاديمية المختلفة.

وتعتبر د. عفونة أن دور الجامعات ليس توفير فرص عمل لخريجيها، وإنما توفير التعليم وتزويد الطالب بالمهارات والمعارف التي تساعده ليلتحق بسوق العمل، في حين ان مسؤولية الطالب هي البحث عن فرصة عمل.

وقالت إن الجامعات تستحدث التخصصات المختلفة بناء على احتياجات سوق العمل استنادا للإحصاءات ذات الصلة، وبناء على رؤيتها المستقبلية، كما تأخذ بعين الاعتبار استقطاب أكبر عدد من الطلبة، ويعود ذلك لأن الجامعات الفلسطينية تمر بأزمات مالية وهي تعتمد على أقساط الطلبة، في حين أن معظم أهالي الطلبة يعانون من ضائقة مالية كذلك.

وتجيب الخبيرة د. عفونة عن سؤال: هل تخطط الجامعات بناء على احتياجات السوق؟ بالقول: نعم ولا.

وتعزو ذلك إلى التحديات الكبيرة التي تواجه المؤسسات التعليمية في التخطيط للبرامج، وأهمها انها توجد في بلد الوضع فيه متقلب ومتغير باستمرار.

كما أن أحد التحديات يتمثل في انغلاق الجامعات الفلسطينية بسبب ظروف الاحتلال، فيكاد لا يوجد طلبة من الخارج يدرسون في الجامعات الفلسطينية.

وأشارت إلى أن معظم الجامعات تعتمد ماليا على أقساط الطلبة، في حين أن الجامعات في دول العالم مدعومة من الحكومات، بينما في فلسطين هناك بعض الدعم لكن بسبب العجز المالي للحكومة فهي غير قادرة على تقديم الدعم، وحتى منح الأوائل تتأخر في الوصول للجامعات، وتضطر الجامعات لتغطية تلك المنح لحين وصول الأموال المخصصة لها من الحكومة.

وذكرت أن الجامعات تلجأ لاستحداث تخصصات قريبة من تخصصات تعاني من بطالة عالية. فتخصص الصيدلة -كمثال- يوجد فيه بطالة عالية جدا، فتم استحداث تخصصات مرتبطة به لها فرص عمل، كتخصصات صناعة الأدوية، ومساعد صيدلي، ودكتور صيدلي.

كما تم استحداث تخصصات تعتبر جديدة وواعدة في فلسطين، مثل العلاج الرياضي، والأزياء، والعلاج بالفنون.

وقالت إن هناك الكثير من البرامج المستحدثة التي تم فيها إدخال مساقات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي والرقمنة، مشيرة إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يشكل تهديدا لخسارة فرص العمل، فهو سيحل فقط محل الانسان الذي لا يتقن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.

ومع ان فلسطين تعيش تحت الأزمات والاحتلال، لكن د. عفونة ترى ان الأزمات هي التي تخلق الفرص، وتأمل أن تشهد المرحلة القادمة وجود فرص عمل كبيرة امام الفلسطينيين، خاصة وأن العالم متعاطف مع فلسطين.

ودعت الشباب الفلسطينيين لحسن استغلال هذه الفرصة والاستعداد لها بتقوية قدراتهم في اللغتين العربية والانجليزية، والمهارات التكنولوجية، والتميز بالأخلاق والقيم المهنية والإنسانية، وهذه العناصر -بالإضافة للشهادة الجامعية- تساعد الشاب في الحصول على فرصة عمل، او خلق فرصة عمل، او انتاج عمل يعمل فيه ويُشرك فيه آخرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *