بقلم: أ. ثامر سباعنة

يشكّل التعليم في فلسطين أحد أهم أعمدة الصمود الوطني والاجتماعي، إذ لطالما كان سلاحًا في وجه الاحتلال وأداة للحفاظ على الهوية والذاكرة الجماعية.

في الضفة الغربية، يُعد القطاع التعليمي الحكومي أكبر مزوّد للخدمات التعليمية، حيث يعتمد غالبية الطلبة على المدارس الحكومية التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية. ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها المؤسسات الرسمية، فإن هذا القطاع يواجه أزمات متراكمة تستدعي تبني “منهجيات إنقاذ” حقيقية لضمان استمراريته وفاعليته.

التحديات البنيوية

يواجه التعليم الحكومي في الضفة الغربية أزمات مركبة تتوزع بين جوانب سياسية واقتصادية وبنيوية. فمن الناحية السياسية، يعاني القطاع من تبعات الاحتلال الإسرائيلي المباشرة، مثل إغلاق الطرق والحواجز التي تعيق وصول الطلبة والمعلمين إلى مدارسهم، والاستهداف المتكرر للمؤسسات التعليمية، وتهديد مدارس المناطق “ج” بالإزالة أو الإغلاق. أما اقتصاديًا، فإن ضعف الموازنات العامة، وتأخر الرواتب، وغياب الاستقرار المالي، كلها عوامل تؤثر سلبًا على أداء المعلمين وتطوير البنية التحتية.

على مستوى المباني، يواجه القطاع نقصًا في المباني المدرسية، كما أن اكتظاظ الصفوف، ونقص المختبرات والمكتبات، وغياب الوسائل التكنولوجية الحديثة، كلها تحديات تضعف جودة العملية التعليمية.

الأبعاد الاجتماعية والتربوية

لا يمكن إغفال البعد الاجتماعي للأزمة. فالمدارس الحكومية، رغم استيعابها الغالبية العظمى من الطلبة، تعاني من فجوات نوعية مقارنة بالمدارس الخاصة أو التابعة لوكالة الغوث. هذا التفاوت يخلق حالة من عدم المساواة التعليمية ويؤثر على فرص الطلبة في المستقبل. من الناحية التربوية، يواجه المنهاج الفلسطيني تحديات تتعلق بمواءمته مع متغيرات العصر، وإدماج قيم الإبداع والتفكير النقدي، في ظل ضغط الامتحانات الوطنية مثل “التوجيهي” الذي يختزل العملية التعليمية في بعد تقويمي ضيق.

منهجيات الإنقاذ المقترحة

لمواجهة هذه التحديات، لا بد من اعتماد استراتيجيات إنقاذ شاملة تعالج الأزمة من جذورها، وتتوزع على عدة مستويات:

  1. الإصلاح البنيوي:
  • الاستثمار في بناء مدارس جديدة في المناطق ذات الاكتظاظ.
  • تزويد المدارس بالمختبرات والمكتبات، وربطها بتكنولوجيا حديثة تساعد في التعلم الرقمي.
  • إطلاق برامج لصيانة المباني القائمة وتحسين بيئة الصفوف.
  1. تمكين المعلم:
  • تحسين الوضع المعيشي للمعلمين من خلال استقرار ورفع الرواتب وحوافز إضافية.
  • تطوير برامج تدريب مستمرة في مجالات التعليم التفاعلي والتعلم الرقمي.
  • تعزيز مكانة المعلم في المجتمع باعتباره حجر الزاوية في العملية التعليمية.
  1. تطوير المناهج:
  • تحديث المناهج لتشمل مهارات التفكير النقدي، التعلم الذاتي، والبحث العلمي.
  • دمج قضايا المجتمع الفلسطيني في المناهج لتغذية وعي الطلبة الوطني والإنساني.
  • تقليل التركيز على الحفظ والاستظهار، والانتقال إلى أساليب تقييم متنوعة تشجع الإبداع.
  1. تعزيز الشراكات:
  • فتح المجال أمام المجتمع المحلي والقطاع الخاص لدعم المدارس الحكومية.
  • توثيق التعاون مع الجامعات ومراكز البحث لإنتاج حلول تربوية عملية.
  • الاستفادة من الدعم الدولي الموجه للتعليم ضمن رؤية وطنية تحافظ على استقلالية القرار التربوي.
  1. مواجهة تحديات الاحتلال:
  • توثيق الانتهاكات الإسرائيلية بحق المؤسسات التعليمية وطرحها في المحافل الدولية.
  • إطلاق مبادرات تعليمية بديلة في المناطق المهددة بالإغلاق، مثل التعليم المتنقل أو الصفوف الافتراضية.
  • تعزيز روح الصمود لدى الطلبة والمعلمين باعتبار المدرسة ساحة من ساحات المقاومة السلمية.

نحو تعليم مُنقذ وفاعل

إن إنقاذ القطاع التعليمي الحكومي في الضفة الغربية لا يقتصر على الحلول التقنية أو الموازنات المالية، بل يتطلب إرادة سياسية ورؤية وطنية تجعل التعليم أولوية قصوى. فالتعليم ليس مجرد خدمة اجتماعية، بل هو مشروع تحرري يضمن للأجيال القادمة امتلاك أدوات المعرفة والوعي اللازمين لبناء مستقبلهم.

وعليه، فإن نجاح “منهجيات الإنقاذ” يتوقف على القدرة على الربط بين البعد الوطني والبعد التربوي، بحيث تصبح المدرسة الفلسطينية مكانًا للصمود، ومختبرًا للإبداع، ومنصة لتخريج جيل قادر على حمل هموم وطنه ومواجهة تحديات العصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *