الخبير الاقتصادي مؤيد عفانة يتحدث لـ”مجلة البيت المهني”

 تكدس الشيكل يهدد دورة الاقتصاد الفلسطيني وهناك مسؤولية على النقابات المهنية والعمالية

نابلس-

أكد الباحث والخبير الاقتصادي مؤيد عفانة، أن تكدس عملة الشيكل في البنوك الفلسطينية بسبب رفض البنوك الإسرائيلية شحن فائض هذه العملة إليها، يهدد الدورة الاقتصادية الفلسطينية ويصيبها بالشلل، معتبرا أن هناك مسؤولية ملقاة على عاتق النقابات المهنية والعمالية والقطاعات الاقتصادية إلى جانب بقية الأطراف ذات العلاقة، للمساهمة في الخروج من هذه الأزمة.

وأوضح عفانة في لقاء خاص مع مجلة “البيت المهني”، أن مشكلة تكدس الشيكل بدأت عند توقيع بروتوكول باريس الاقتصادي عام 1994 والذي نص على أن فائض الشيكل يتم تحويله إلى البنك المركزي الإسرائيلي من خلال دفعات ربع سنوية تقوم بها السلطة الفلسطينية، وتم تقدير هذا المبلغ في حينه بـ 12 مليار شيكل.

واستمر بالعمل بهذه الآلية حتى العام 2007 عندما وقعت أحداث الانقسام الفلسطيني، وعندها فرضت الحكومة الإسرائيلية على البنوك الإسرائيلية المراسلة مع فلسطين الحصول على رسائل ضمانات من وزارتي القضاء والمالية الإسرائيليتين حتى لا يتم وسمها بالإرهاب بحجة أن قطاع غزة كيان معادٍ.

وأشار عفانة إلى أن حجم الاقتصاد الفلسطيني تضاعف بشكل كبير خلال السنوات اللاحقة، وازداد معه فائض الشيكل، وفي 2017-2018 وبعد أن ظهرت أزمة بسبب تزايد فائض الشيكل، تم الاتفاق بين البنك المركزي الإسرائيلي والبنوك المراسلة وسلطة النقد الفلسطينية وصندوق النقد الدولي بإجراء دراسة لتحديد كمية فائض الشيكل في السوق الفلسطيني، والتي قدرت بـ 18 مليار، وكان هذا جيدا لأنه رفع كمية الشيكل المشحونة بنسبة 50%.

لكن مشكلة الشيكل عادت بعد فترة لعدة عوامل، أبرزها ارتفاع الأسعار، وتزايد العمالة الفلسطينية في سوق العمل الإسرائيلي، وعودة النشاط الاقتصادي بعد جائحة كورونا، واستقبال المتسوقين من فلسطينيي الداخل والذين تركز إنفاقهم على السلع ذات التكلفة العالية المتمثلة في 4 بنود، هي: العقارات، والذهب، والعملة، والسلع الاستهلاكية.

وكان من أبرز الأسباب أيضا القوانين الإسرائيلية الجديدة التي قيدت التعامل النقدي بالشيكل في “إسرائيل”، الأمر الذي دفع فلسطينيي الداخل إلى اللجوء لأسواق الضفة لشراء الذهب للتخلص من الشيكل الزائد.

ورغم تناقص أعداد العمال في الداخل بعد 7 أكتوبر، لكن هذه العوامل مجتمعة زادت من فائض الشيكل بشكل كبير.

وبين عفانة أنه في عام 2022 وافقت “إسرائيل” على استلام دفعات استثنائية من الشيكل لتخفيف الأزمة لكن دون تعديل الاتفاقية، وعندما وصل وزير المالية الإسرائيلي الحالي بتسلئيل سموتريتش لمنصبه، تمسك ببنود الاتفاقية ورفض زيادة المبلغ المشحون.

ولفت عفانة إلى أن الحالة الأمنية والاقتصادية التي نشأت بعد 7 أكتوبر، زادت من تكدس الشيكل، إذ زادت ودائع المواطنين بمقدار 3.5 مليار دولار، مبينا أن حالة الانكماش الاقتصادي دفعت أصحاب رؤوس الأموال للاحتفاظ بأموالهم في البنوك بدل إقامة مشاريع استثمارية، كما أن الحالة الأمنية دفعت المواطنين للاحتفاظ بأموالهم في البنوك خوفا من تعرضها للسرقة من جنود الاحتلال سواء على الحواجز أو خلال اقتحامات المنازل.

ومع تصاعد الأزمة، اضطرت البنوك في عام 2024 لتقنين استقبال الشيكل.

ورغم شحن دفعتين خلال العام الجاري 2025 بقيمة 9 مليار شيكل، لكن المبلغ المتكدس في البنوك الآن يصل إلى 13 مليار شيكل.

وشرح عفانة المشاكل التي تواجه البنوك نتيجة تكدس الشيكل في خزائنها، مبينا أن سعة خزائن البنوك هي 6 مليار فقط، وبالتالي فهي تعاني الآن من تخزين عالٍ، وهذا يكبدها تكاليف تخزين ونقل إضافية، وتكاليف تأمين، بالإضافة إلى تكلفة الفرصة البديلة والتي تحرمها من استثمار هذه المبالغ المكدسة.

كما خلقت هذه الأزمة مشكلة للقطاع التجاري، ولم يعد باستطاعة التجار استيراد البضائع لعدم وجود رصيد للبنك الفلسطيني في البنوك الإسرائيلية لعدم انتقال الشيكل الورقي لتغذية حسابها.

وأشار إلى أن جزءا من القطاع التجاري الفلسطيني لجأ إلى التعامل المباشر مع الطرف الإسرائيلي، وهذا وضع غير صحي وخطير جدا لأنه يناقض فلسفة العمل المالي، ويخلق اقتصادا موازيا، ويقضي على السوق المنظم للاقتصاد والقطاع المصرفي الفلسطيني.

كما أنه خطورته تنعكس على المواطن العادي نتيجة ظهور السوق السوداء للعملة، وتكبيد المواطن فرق العملة للحصول على العملات الأخرى، ويصبح المواطن والتاجر غير قادر على تغذية حسابه بعملة الشيكل لتسديد ما عليه من شيكات، مما يشكل ضربة للحركة التجارية.

وأشار عفانة إلى الحلول التي وضعتها سلطة النقد، ومنها زيادة سقف الإيداع النقدي في البنوك إلى 5 آلاف شيكل، وهذا يحل مشكلة المواطن العادي، ووضع سعر صرف تفضيلي للعملات الأخرى قريب من سعر السوق للتخفيف من أثر السوق السوداء، وإعفاء كل الدفعات التي تقل عن 100 شيكل في برامج الصراف الآلي والدفع المسبق من العمولات.

لكن هذه الحلول، ورغم أهميتها، لكنها تبقى حلول جزئية لا تنهي المشكلة، وما لم يتم شحن كميات أكبر من فائض الشيكل ستبقى المشكلة قائمة.

وقال إنه “تبعا للتقديرات الرسمية، فنحن بحاجة لتحويل 30 مليار شيكل، في حين ما يتم شحنه هو 18 مليارا، أي ان هناك 12 مليارا إضافيا، وهذا ما يبقي الأزمة مستمرة”.

وأكد أن الحل الجذري هو أن ترفع “إسرائيل” مبلغ الشيكل المستلم، وضبط كل شيكل يدخل الأسواق الفلسطيني، وذلك بفرض التحويل البنكي ومنع عمليات الدفع النقدي للصفقات الكبيرة، وكذلك ضبط التهريب للمنتجات الزراعية والمواشي للأسواق الإسرائيلية، والتي تتم عادة بالدفع النقدي تجنبا لاكتشافها.

ويشدد عفانة على ضرورة التحول لأنظمة الدفع الرقمي، وهذا معمول به في دول العالم، وما يساعد في تطبيقه هو أن 70% من البالغين في فلسطين لديهم حسابات مصرفية، وهذا يوفر أمانا أكبر للمواطن والتاجر.

وحول تأثير هذه الأزمة على القطاعات المهنية والإنتاجية، أوضح عفانة أن لها تأثير سلبي على كل دورة الاقتصاد، فالقطاع الإنتاجي لا يستطيع إيداع ايراداته في البنوك، وهذا يخلق مشكلة في توفير أرصدة لشراء مدخلات الإنتاج أو دفع رواتب الموظفين.

وأشار إلى أن هذا سيدفع قطاعات الإنتاج للجوء إلى السوق الموازي أو إنشاء علاقات مالية مباشرة مع الموردين الإسرائيليين، الأمر الذي يقوض السوق الرسمي وفكرة الشمول المالي، ويقوض الاقتصاد الفلسطيني، ويعيده إلى عهد ما قبل قيام السلطة الفلسطينية.

وأكد أن النقابات والقطاعات المهنية والعمالية عليها هي الأخرى مسؤولية في المساعدة بالخروج من هذه الأزمة.

وقال إن مساهمة هذه القطاعات تتمثل في جانبين، أولهما ممارسة الضغط على كل المستويات خاصة وأن القطاع الاقتصادي الإسرائيلي متضرر من هذه الأزمة أيضا.

أما الجانب الآخر، فيتمثل في تشجيع التحول الرقمي في هذه القطاعات، وأن يتعامل كل قطاع مهني بشكل كامل عبر البطاقات الإلكترونية، مما يساعدها في التخلص من النقد الورقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *