بعد انتخابه نقيبا للأطباء في فلسطين، قال الدكتور صلاح الهشلمون إن أولوية النقابة في المرحلة القادمة هي العمل بروح الفريق الواحد من أجل إيجاد حلول استراتيجية لتدريب أطباء الامتياز، وإنصاف منتسبي النقابة العاملين في القطاع الحكومي وفي قطاع غزة، وستسعى لتوفير بيئة عمل آمنة وسليمة في المرافق الصحية الفلسطينية.
وكانت انتخابات هيئة رئاسة المكتب واللجان الفرعية لنقابة الأطباء قد جرت في التاسع والعشرين من أغسطس/ آب الماضي، وأسفرت عن فوز د. الهشلمون برئاسة هيئة المكتب (النقيب).
وفي لقاء خاص مع مجلة البيت المهني، أوضح د. الهشلمون أن العملية الانتخابية لم تستكمل، نظرا لوجود 3 لجان فرعية لم يجرِ فيها انتخاب اللجان لعدم اكتمال النصاب، إذ ينص القانون على إجراء الانتخابات بعد أسبوعين، مبينا أن مجلس النقابة سيتشكل بعد استكمال العملية الانتخابية.
وأشار الهشلمون إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي منعت الأطباء في القدس المحتلة من مزاولة حقهم بالانتخاب في المقر الرئيسي، وكان هناك خطة بديلة لتفادي إلغاء الانتخابات، حيث أجريت خارج أسوار المدينة، وتمت انتخابات رئيس هيئة المكتب لكن انتخابات اللجنة الفرعية ستجرى في وقت لاحق.
وقال الهشلمون إن الانتخابات جرت في أجواء إيجابية من المنافسة النزيهة بين المرشحين لرئاسة المكتب أو اللجان الفرعية، وأفرزت لجانا فرعية ستعمل بروح الفريق الواحد مع رئيس هيئة المكتب المنتخب والبدء بتحقيق البرنامج الانتخابي المقدم للهيئة العامة.
برنامج شامل وواسع
وأكد أن البرنامج الذي ستعمل به النقابة هو برنامج شامل وواسع يستجيب لهموم ومطالب وحقوق جميع شرائح الأطباء؛ بدءا من طبيب الامتياز وانتهاء بالطبيب المتقاعد.
وأوضح أن لكل شريحة من شرائح الأطباء همومها الخاصة، والنقابة لديها أولويات ملحة بحاجة لمعالجة فورية، وفي مقدمتها ملف أطباء الامتياز، والذي يواجه معضلة كبيرة بوجود أعداد كبيرة من أطباء الامتياز تنتظر فرصة التدريب، والذين فاق عددهم 5 آلاف طبيب، وهو رقم مهول في ظل عدم توفر عدد كاف من المستشفيات التي توفر التدريب.
وبين أن طبيب الامتياز ينتظر سنة أو أكثر حتى يسمح له بالتدريب، وهذه كارثة على المستوى النقابي والوطني، لان الطبيب بعد أن أنهى 6-7 سنوات من الدراسة الشاقة عليه أن ينتظر لسنة أو أكثر دون عمل أي تطوير ذاتي علميا ومهنيا، موضحا أن سنة الامتياز مهمة لكي يصقل الطبيب شخصيته المهنية والتعامل مع الزملاء والمرضى.
وأكد أن النقابة ستعمل مع أصحاب القرار وهو المسؤولين عن المستشفيات التعليمية التدريبية وهم وزارة الصحة والهيئات الإدارية للمستشفيات الاهلية والخاصة، لمعالجة هذه المعضلة.
وذكر الهشلمون أن هناك حلولا آنية خلاقة للتغلب على نقص القدرة الاستيعابية للمستشفيات، وذلك بزيادة عدد دورات الامتياز في المؤسسة الواحدة إلى دورتين أو ثلاث، حسب ما تسمح به الإمكانيات والبنية التحتية، وهذا سيخفض مدة الانتظار الى النصف أو الثلث.
لكن الهشلمون يؤكد ضرورة إيجاد حلول استراتيجية، ودراسة الموضوع بطريقة أكثر دقة، لان الأعداد تتزايد باضطراد، وهناك المزيد من الخريجين، خاصة من الجامعات المصرية، اذ تشير التقديرات إلى انه خلال السنوات الأربع أو الخمس سنوات القادمة سيكون هناك على الأقل 15 ألف طبيب فلسطيني قادم من الجامعات المصرية فقط.
وأرجع الهشلمون مشكلة أطباء الامتياز إلى عدة عوامل، منها زيادة عدد كليات الطب المعترف بها إلى 7 كليات، في ظل محدودية القدرة الاستيعابية للمستشفيات القائمة، وعدم توفر مستشفيات تعليمية لكل كلية وهو أحد شروط الترخيص لكليات الطب، باستثناء مستشفى النجاح الوطني الجامعي، في حين أن الكليات الأخرى باشرت بإنشاء مستشفياتها لكن هذا يحتاج وقتا طويلا.
وعبر عن اعتقاده بوجود تجاوز من جانب كل كليات الطب الفلسطينية للعدد المسموح لها بقبوله من الطلبة سنويا، وذلك باستحداث ما يعرف بنظام الطب الموازي، والموازي الأول، والموازي الثاني، ويظهر ذلك من أعداد الخريجين التي تتراوح سنويا ما بين 1000-1500 طبيب، وهذا ما يرهق النظام الصحي غير المؤهل من ناحية البنية التحتية وعدد المستشفيات وعدد الأسرة وكوادر طبية.
وقال: “من ضمن أولوياتنا أن نلزم وزارة الصحة ونبحث معها كيفية إنشاء مستشفيات جديدة لتغطي مساحة الوطن وتوفر الخدمة الطبية للمريض الفلسطيني الذي يستحق هذه الخدمة دون إعاقة”.
وأضاف: “ندرك أن الظروف المالية والوضع العام غير مواتٍ حاليا، لكن نتمنى أن تتغير هذه الظروف وأن تبحث وزارة الصحة عن آليات عمل لإنشاء مستشفيات جديدة عبر التواصل مع العالم الخارجي والدول المانحة والصديقة والمجتمع المحلي، وهذه مسؤولية الوزارة باعتبارها راعي البيت الصحي”.
حقوق مالية
وأكد التزام النقابة تجاه منتسبيها الذين ظلموا لفترات طويلة، وزاد عددهم، والعديد منهم لا يعمل ولا يأخذ حقة المادي والمعنوي، مضيفا ان الفترة القادمة ستكون صعبة وسوف تكون هذه الحقوق من أولويات النقابة وستعمل بدورها مع المشغلين؛ سواء في الوزارة او المستشفيات الخاصة والأهلية، لتحقيقها.
وقال: “يهمنا أن يكون الطبيب مُنصَفا ماليا وماديا ومعنويا، وأن تتهيأ له بيئة عمل آمنة وسليمة لكي يقدم أفضل وأجود خدمة للمريض الفلسطيني الذي يستحق منا كل التضحيات”.
وأشار الهشلمون إلى أن الأزمة المالية والتعثر المالي التي تواجهها الحكومة تنعكس على القطاعات الصحية كافة، بما فيها المستشفيات الأهلية والخاصة التي تبيع خدماتها لوزارة الصحة.
وقال إن النقابة تطالب الوزارة، باعتبارها المشغل الرئيسي للأطباء، بأن تعمل مع وزارة المالية ورئاسة الوزراء لصرف رواتب الأطباء العاملين في القطاع العام.
وأضاف: “مع ادراكنا أن كل الموظفين الحكوميين يعانون من الأزمة المالية، لكن الأطباء في القطاع العام ليس لديهم عمل آخر إلا الطب، في حين أن بقية الموظفين يمكن أن يجدوا حلولا أخرى، ولهذا السبب سنضغط على الحكومة ضمن الظروف والإمكانيات المتاحة”.
وتابع: “نتفهم أن الظروف الحالية لا تسمح لنا بأن نضغط لإحقاق حقوق الزملاء بالطرق التي كنا نعمل بها سابقا، لكن هذا لا يعني أننا لن نعمل لتحقيقها”.
واعتبر أنه إذا كانت هناك نية صادقة لدى الوزارة، فعليها أن تعترف بالحقوق المالية للأطباء وأن تدونها على قسيمة الراتب، ليتم صرفها عندما تتحسن الظروف المالية، وقال: “لكن لا نقبل أن تتعنت الوزارة وأن لا تعترف بهذه الحقوق والمستحقات والعلاوات، لان هذا يعني ان الحكومة لا تريد ان تتعاون”.
وبين نقيب الأطباء أن من ضمن الملفات التي تعطيها النقابة اهتمامها، هو ملف أطباء البرنامج التعليمي التابع لمجلس الطب الفلسطيني، وآليات عمله، وطريقة اختيارهم، ومدى الفائدة التي يحصلون عليها، وأعدادهم، والبنية التحتية التي يعملون بها.
وأكد أن هذا الملف بحاجة لإعادة دراسة، “لأننا غير راضين عن البرنامج بالشكل المعمول به حاليا، وسنعمل على تطويره وتحسينه”.
قانون المساءلة الطبية
وقال الهشلمون إن النقابة تولي اهتماما كبيرا بإقرار قانون المساءلة الطبية والقانونية الذي طرح في المجالس السابقة، وتم الوصول إلى مرحلة متقدمة، لكن إنفاذه يحتاج إلى بعض التعديلات عليه قبل تطبيقه على أرض الواقع.
وشدد على أن الطبيب الفلسطيني يقدم الخدمة في بيئة عمل غير مواتية، ولهذا تسعى النقابة لتوفير بيئة عمل آمنة وسليمة لا تدع له مجالا للوقوع في الخطأ.
وأوضح أن القانون المطروح يحتوي على مصطلحات فضفاضة لا يعلمها إلا القانونيين والأطباء، والذين حتى اللحظة لم يتفقوا على التعريفات ليتم اعتمادها من قبل المسؤولين.
وقال: “نحن بحاجة لقانون واضح وصريح لا يجرّم الطبيب، وإن كان هناك أي مساءلة قانونية يجب أن تكون ضمن قانون مدني وليس جنائي، فلا يعقل أن يجرّ الطبيب كأنه مجرم إلى مؤسسات إنفاذ القانون”.
وأضاف: “سنعمل مع زملائنا في النقابات الأخرى، خاصة نقابة المحامين، على صياغة مصطلحات طبية قانونية يتم التوافق عليها، واعتمادها من الجهات المسؤولة”.
وأكد أن وزارة الصحة مطالبة بتوفير بيئة عمل آمنة وسليمة للطبيب، ولا يعقل إن حصلت أي مضاعفة او خطأ طبي أن يترك الطبيب ليواجه المشكلة لوحده، ولا يمكن للوزارة بصفتها الجهة المشغلة للأطباء أن تتنصل من واجباتها تجاه من تشغلهم.
وقال إنه لا بد من وجود تأمين ضد الأخطاء الطبية في المستشفيات الحكومية، وأن تكون المساءلة للمشغل وليس للطبيب الذي هو الحلقة الأضعف ويُنظر له وكأنه مجرم.
وأكد أن عدم وجود تأمين ضد الأخطاء الطبية في المستشفيات الحكومية لن يستمر، منبها إلى أن المستشفيات الأهلية والخاصة ملزمة ضمن شروط ترخيصها وجود تأمين ضد الأخطاء الطبية، ومن باب أولى أن يكون لدى الحكومة تأمين لحماية نفسها ولحماية من تشغلهم وهم الأطباء.
علاقة النقابة ووزارة الصحة
وحول سبل التعاون بين النقابة ووزارة الصحة، أشار الهشلمون إلى أن النقابة تعمل لصالح منتسبيها، ومن المعروف تاريخيا أن مصالح النقابة على خلاف وتضاد مع الوزارة، لكن هذا لا يمنع من التعاون على أرضية أن تؤدي كل منهما ما عليها من واجبات والتزامات.
وقال إن الوزارة مطلوب منها إنشاء مستشفيات جديدة، وزيادة عدد الأسرّة، وتوفير الأدوية والمستهلكات الطبية، وزيادة أعداد الكوادر الطبية العاملة، سواء في الاختصاصات أو الطب العام، وسواء في المستشفيات أو مراكز الرعاية الطبية الأولية، حتى يقدم الطبيب أجود وأكفأ خدمة للمريض الفلسطيني، وحتى لا يقع في أخطاء ومضاعفات سببها شح عدد العاملين.
وأوضح أن الطبيب عندما يعمل ليومين أو ثلاثة نظرا لعدم توفر البيئة والكوادر الطبية الكافية، قد تحصل معه مضاعفة أو خطأ، وعندها يواجه المريض أو المرافق والذين يتعاملون مع الطبيب باعتباره الحلقة الأضعف ويعتقدون أن الطبيب هو المقصر.
وشدد على أن الأطباء يؤدون مهمة إنسانية بحتة، وأولويتهم هي رعاية المريض الفلسطيني، لكنهم يجب أن يحيوا حياة عزيزة كريمة، أسوة بباقي أبناء هذا الوطن.
أطباء غزة
ولفت الهشلمون إلى ما يواجهه الأطباء في قطاع غزة من استهداف الاحتلال، وعملهم في ظروف غير طبيعية، حيث تحولت المستشفيات إلى ساحة حرب، وتم تدمير البنية التحتية للنظام الصحي الذي لا يعمل الا بالقدر اليسير.
وقال إن النقابة ستقف إلى جانب أطباء غزة في مطالبة المجتمع الدولي وكل من له علاقة في العالم بتوفير الحماية لهم وللمرضى والجرحى، وستعمل لإرسال وفود طبية بالتنسيق مع الجهات المسؤولة لدعم أطباء غزة المنهكين، وكذلك ستعمل مع مؤسسات المجتمع المحلي على توفير الأدوية والمستهلكات الطبية وإرسالها لغزة.
وأضاف أن النقابة باعتبارها تمثل كل الأطباء الفلسطينيين، تطالب وزارة الصحة بإحقاق حقوق الأطباء في قطاع غزة أسوة بزملائهم في الضفة الغربية، مبينا أنهم مظلومون تاريخيا من ناحية الرواتب وغيرها، وستعمل النقاب بعد تشكيل المجلس الجديد لعقد جلسات وحوارات مع الوزارة لطرح مطالب الزملاء في غزة، وستعمل جاهدة على إنصافهم.
وأشار إلى أن النقابة وإلى جانب دورها النقابي وهناك دور سياسي وطني، وفي ظل الظروف الصعبة والهجمة الشرسة من الاحتلال، فإن مجلس النقابة الجديد سيعمل بروح الفريق الواحد لإنصاف منتسبي النقابة وأخذ دوره الطليعي في هذه المرحلة والوقوف صفا واحدا في وجه ممارسات الاحتلال ومحاولته النيل من وجود الشعب الفلسطيني في أرضه ومن نسيجه الوطني والمجتمعي ومحاولات تقويض النظام السياسي الفلسطيني.
وختم قائلا: “نحن كأطباء يجب أن نصطف صفا واحدا ونتسامى على جراحنا، ونعمل كفريق واحد لإنصاف زملائنا والحفاظ على وطننا”.