نابلس-

ينتظر الفلسطينيون موسم الزيتون بقلق كبير هذا العام، مع توقعات بكميات إنتاج شحيحة من زيت الزيتون لا تكفي لتلبية احتياجات الطلب المحلي، فضلا عن التصدير للخارج.

أسباب عديدة وقفت خلف رداءة الموسم الحالي والمواسم الأخيرة بشكل عام، يأتي المناخ في مقدمتها إلى جانب الظروف الميدانية التي فرضها الاحتلال بسياساته والمستوطنون باعتداءاتهم.

وفي لقاء مع مجلة البيت المهني، تحدث خبير الزيت والزيتون الفلسطيني المهندس فارس الجابي عن الأسباب الرئيسية وراء ضعف المحصول هذا العام.

وأوضح الجابي أن الموسم الحالي يعتبر ضعيف جدا في كل أنحاء فلسطين بشكل عام، من الشمال وحتى الجنوب، ويتوقع أن يكون الإنتاج في منطقة جنين أفضل نسبيا، وتشير التقديرات إلى أن إنتاج هذا العام من الزيت سيتراوح ما بين 8-10 آلاف طن، وهو ما يمثل حوالي 30% فقط من المعدل السنوي البالغ 22 ألف طن.

وقال الجابي إنه مع هذه الكمية سيكون هناك عجز، لأن حجم الإنتاج لن يلبي حجم الاستهلاك المحلي، والذي يبلغ حوالي 15 ألف طن، ويرتفع العجز إذا كان هناك تسويق في الخارج.

وبين أن جزءا من الإنتاج السنوي يذهب على شكل هدايا للمغتربين في الدول العربية والعالم، وهذا يعتبر ضمن الاستهلاك المحلي، لكن هناك كميات يتم تسويقها تجاريا في الدول العربية، كما أن هناك التزام بتصدير لبعض الدول الأوروبية وأمريكا ضمن اتفاقيات وعقود تجارية.

ولفت إلى أن وجود مخزون يقدر بنحو 1500-2000 طن من إنتاج الموسم الماضي الذي بلغ إنتاجه 22 ألف طن ولم تستهلك جميعها بسبب تراجع معدل الاستهلاك نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية من ناحية، ولعدم وصول زيت الضفة إلى غزة بفعل الحرب والحصار.

وتوقع الجابي أن يصل سعر زيت الزيتون هذا الموسم إلى حوالي 35 شيكل للكيلوغرام، لكن إذا تم فتح باب الاستيراد من الخارج فسيؤثر ذلك على سعر الزيت المحلي.

وقال: “هناك احتمال أن يكون هناك توصية في وقت لاحق، ربما بعد شهرين، باستيراد كميات محددة من الخارج، ولكن بعد أن ينتهي المزارعون من تسويق إنتاجهم”.

واعتبر أن وزارة الزراعة توازن بين مصلحة كل من المزارع والمستهلك على حد سواء، فمن ناحية يجب أن يستفيد المزارع من عوائد الإنتاج ليعوض ما استثمره ولكي يكون الاستثمار ذا جدوى اقتصادية، وفي المقابل يجب أن يحصل المستهلك على احتياجاته من الزيت بسعر يناسب قدراته، لأنه كلما ارتفع السعر تراجع معدل الاستهلاك، وهذا يترك أثرا خطيرا على صحة المجتمع.

غزة خارج الموسم

وأشار الجابي إلى أن قطاع غزة خرج من حسابات الإنتاج بسبب الحرب، فقد كان القطاع ينتج بمعدل 2 طن من زيت الزيتون، ولكن الإنتاج توقف هذا العام، ولم يعد هناك محصول زيتون ولا معاصر تعمل.

وأوضح أن استهلاك غزة من الزيت سيعتمد على ما تنتجه الضفة أو ما يمكن استيراده من منطقة العريش المصرية.

وأكد أنه رغم قرب زيت العريش على غزة وانخفاض أسعاره مقارنة بزيت الضفة، لكن الغزيين يفضلون زيت الضفة لأنهم زرعوا الأصناف البلدية المعروفة في الضفة، وبالتالي هم يفضلون مذاق زيتها.

تغيرات المناخ

وتلعب التغيرات المناخية دورا كبيرا في تردي مواسم الزيتون في فلسطين والمنطقة عموما، وفي هذا العام تحديدا.

وقال الخبير الجابي أن سوء الموسم الحالي يعود إلى عوامل مرتبطة بالمناخ بشكل كبير، وهذا ما يصعب على المزارع التحكم فيه.

وأوضح: “سابقا كانت ظاهرة تبادل الحمل بين المواسم الجيدة والسيئة تتم بشكل منتظم، لكن هذه النظرية تغيرت في السنوات الماضية بسبب تغير الظروف المناخية، بحيث أصبح من المعتاد أن تأتي سنتان متتاليتان بحمل رديء”.

وبيّن أن أشجار الزيتون تأثرت بخلل بين النمو الخضري والزهري وفشل في العقد، وأشار إلى أن الشتاء الدافئ هذا العام، وتأخر البرد عن الفترة التي يحتاجها الزيتون حتى تزهر براعمه، أثر على عملية الإزهار، كما أدى ذلك إلى أن تكون أزهار الزيتون ذكرية وليست “خُنثى”.

وأضاف أن موجات من البرد المتأخر أثرت على الأزهار فأثر ذلك على العقد، وبعد البرد جاءت موجات حارة تسببت بتساقط الأزهار والثمار الصغيرة.

كما أن سوء موسم الأمطار التي كانت بمعدل 50% في الضفة تركت أثرها الكبير على الموسم الحالي للزيتون.

ولفت إلى أن تأثير المناخ لم يقتصر على فلسطين، بل أصاب كل منطقة شرق البحر المتوسط وتركيا، بينما كان الموسم جيدا في دول شمال أفريقيا التي لم تشهد نفس الظروف المناخية التي شهدها شرق المتوسط، فقد احتلت تونس المرتبة الثانية بإنتاج الزيت بعد إسبانيا، فيما احتلت مصر المركز الأول في تصدير الزيتون المخلل إلى العالم.

“أبو المواسم” في خطر

لم يعد موسم الزيتون يحتل مكانته المرموقة في فلسطين كما كان في السابق حينما كان يوصف بأنه “أبو المواسم” الزراعية، فقد لعبت الظروف المعيشية دورا في تراجع الاهتمام بهذه الشجرة المباركة.

وذكر الجابي أن مستوى الخدمة لبساتين الزيتون في فلسطين تراجعت لسبب رئيسي هو أن الزيتون لم يعد مصدر الدخل الرئيسي للمزارع الفلسطيني، والذي بات لديه مصادر دخل أخرى.

كما أن تفتت ملكية الأراضي نتيجة الإرث أدى لتراجع الاهتمام بالزيتون.

وأشار إلى أن الأوضاع السياسية والأمنية فرضت نفسها، وهناك مناطق يصعب الوصول إليها لخدمتها بالحراثة والتقليم والري، وهذا ما أثّر على الإنتاج.

وقال: “في كل موسم نشهد اعتداءات على المزارعين وعلى الأشجار بالقطع وسرقة الثمار ومنع المزارعين من الوصول لأراضيهم”.

وأكد أن صعوبة التنقل بين القرى والمدن نتيجة البوابات والحواجز، يؤخر وصول المحصول إلى المعاصر، ويضطر المزارع لنقل المحصول من مكان لآخر قبل الوصول للمعصرة، وهذا ما يؤثر على جودة الزيت.

ممارسات خاطئة

ونبه إلى أن بعض الممارسات الخاطئة لا زالت تؤثر في كمية الزيت، رغم أن المزارع يملك الآن ثقافة ووعيا أكبر بجودة زيت الزيتون.

ومن تلك الممارسات عدم الالتزام بمواعيد القطف التي تحددها وزارة الزراعة، فرغم أن الوزارة حددت يوم 9 أكتوبر لبدء القطف هذا العام، إلا أن القطف بدأ مبكرا ما يؤدي لفقدان كمية كبيرة من الزيت في المعاصر لان الثمار غير ناضجة.

وأضاف أن خدمة البساتين تراجعت، ولم يعد المزارع يحرث أرضه 3 مرات بالسنة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج بمستوى لا يتلاءم مع أسعار الزيت ما يؤثر على ربح المزارع.

ووصف الجابي معاصر الزيتون في فلسطين بأنها جيدة جدا من حيث العدد والنوعية.

وقال إن المعاصر فيها فائض في العدد، ومستوى المهنية فيها جيد، مبينا أنه بالمقارنة مع الدول العربية فإن معظم المعاصر في فلسطين حديثة، ولم يعد هناك معاصر قديمة بحجر “البد” تقريبا، ومعظم المعاصر العاملة أوتوماتيكية تعمل بنظام الطرد المركزي، وهناك عدد من المعاصر التي تعمل بنظام المكابس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *