في قلب مدينة الخليل القديمة، لا تزال مهنة نفخ الزجاج حيّة في رُقعة صغيرة تُعرف بحي “حارة القزازين”، حيث يحافظ الأُسر الحرفية الفلسطينية على فن الزجاج التقليدي بأدواتهم اليدوية ومهاراتهم المنقولة عبر أجيال.

من يقول إن الزجاج يُذيب تحت حرارة ألسنة الأفران، يُدرك أن حرفيي الخليل لا يواجهون فقط النار، بل يتحدّون معها ليبدعوا فناً بديعًا بـ أساليب متوارثة تعود إلى العهد الروماني، مستخدمين رمالًا محلية وبيكربونات من البحر الميت وألوانًا معدنية لصنع مصنوعات فريدة: حُليّ وزجاجيات ونجف.

إلى اليوم، يُمارس عدد محدود من العائلات هذه الحرفة– شاكر العائلة النَفّاخة وصفوان الأحمد من أبرزهم– الذين ورثوا المهنة تلقائيًّا منذ الصغر. من خلال أنبوب حديد يُدفن جزء منه في الفرن، يُسحب الزجاج المنصهر وتُشكَّل القطعة بالمهارة اليدوية، يتم إدخالها مرارًا في الفرن لتبريدها وتمديدها وتشكيلها، قبل أن تبدأ المرحلة الدقيقة: التشكيل النهائي والنقش اليدوي والتلميع.

لكن مهاراتهم في النفخ والزخرفة على الزجاج ليست فقط حرفة؛ إنها صيغة وجود ثقافي وتاريخي، تنسج بصمت جذور فلسطين الفنيّة العتيقة في قالب عصري. رغم ضعف الطلب السياحي وقيود الاحتلال، يُصر هؤلاء الحرفيون على أن زجاج الخليل ما زال ينبض بالحياة ويصمد أمام تحديات السوق.

تُعتبر مهنة نفخ الزجاج في خليل الرحمن اليوم بمثابة كنز ثقافي حي—ذاكرة عثمانية، رومية، وإسلامية مجتمعة في مذابح صغيرة، في أحجام صغيرة، لكن بإرادة كبيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *