بقلم: المهندس منذر مشاقي

مثله مثل باقي قطاعات الأعمال في القطاع الخاص الفلسطيني، يعاني قطاع المكاتب الهندسية اشكالية كبيرة تجعله يصارع الواقع والتحديات من اجل البقاء والاستمرار، ومن أجل أن يبقى قطاع اعمال حقيقي ذو جدوى، يضمن لمالكي المكاتب واصحابها ومؤسسيها حياة كريمة توازي المكانة الاجتماعية المفترضة للمهندس ومدخولا ماليا يوازي حجم الأعمال المنجزة من قبل المهندس أو المكتب الهندسي.

 تعاني مهنة الهندسة عموما من اشكالية اعتبار العمل الهندسي مجرد رأي استشاري او حلولا يقدمها المهندس الى الجهة المالكة، حتى لو كانت تلك الآراء والحلول مكتوبة وموثقة في مخططات هندسية، فإنها من وجهة نظر المالك أو المستثمر مجرد رأي هندسي لا يوازي في نظر المالك خدمة مرتبطة بإنجاز مادي يمكن قياس حجمه أو مساحته على الأرض، مما يقدمه بقية أركان العمل الانشائي من مقاولين وعاملين، مثل مقاول البناء أو الحداد أو النجار، لذلك فإن قيمة العمل الهندسي تبقى في نظر المالك محل تساؤل وتشكيك، وازاء هذه النظرة القاصرة الخاطئة من المجتمع عموما لقيمة الاستشارة الهندسية التي من المفترض أن تكون هي موجهة للعمل الانشائي وناظمة له، وأن تضبط الإنفاق المالي وتمنع التبذير وإهدار المال فيه، فإنه لا بد من قوانين وأنظمة ملزمة تحمي العمل الهندسي الاستشاري وتحفظ قبمته وتحمي حقوق العاملين فيه، فتلزم تلك القوانين كل من أراد أن ينفذ عملا انشائيا بالحصول على مخططات هندسية رسمية وعلى خدمة اشراف هندسي الزامي، وتمنع غير المهندس من مزاولة اي عمل هندسي.

وبالنظر الى سلسلة الزلازل المستمرة التي بدأت بالزلزال الكبير الاخير في تركيا وسوريا ووقوع عشرات ألاف البشر ضحية له، فإن التسيب والتقصير في منع بعض المتخصصين في تخصصات أخرى قريبة من العمل الانشائي أو التدخل به والتأثير عليه من قريب أو بعيد قد يؤدي إلى كارثة حقيقية تكون سببا لا قدر الله في وقوع ألاف الضحايا ومساحات كبيرة من الدمار، وما لا يعلمه العموم فإن خطأ الطبيب قد يكون سببا في وفاة إنسان واحد، بينما قد يكون الخطأ في العمل الهندسي سببا في وفاة المئات أو الالاف. 

ليس ثمة ضوابط تحكم التنافس بين المكاتب الهندسية وتمنع التداخل بين المكاتب الهندسية، الامر الذي يؤثر سلبا على قيمة العمل الهندسي وزيادة المدخول المالي للمكتب الهندسي، بل ان هذا التنافس غير المضبوط يتسبب في انهيار قيمة العمل الهندسي وفقدانه لجدواه، إذ أن هذه الإشكالية تقع في صلب العمل النقابي الذي تتولاه نقابة المهندسين وهيئة المكاتب والشركات الهندسية الممثلة للمكاتب الهندسية،  فإن تلك الجهات مقصرة في وضع تلك الضوابط والحدود، بل إن تسيبا وانفلاتا كبيرا يسود العمل الاستشاري الهندسي يتسبب في أكبر أزمة يعاني منها ذلك القطاع في تاريخه.

إن غياب الشفافية والنزاهة في كثير من الاحيان يتسبب في أن تصب الفائدة المالية من معظم المشاريع الحكومية المعتبرة في صالح عدد محدود من المكاتب الهندسية بحسب اعتبارات يقع اللون السياسي في مقدمتها، وهذا الامر يتسبب في خلل كبير في توزيع العمل الانشائي على المكاتب الهندسية بشكل عادل ومعقول، بل ان نتيجة ذلك تتمثل في أن ٩٠% من العمل الهندسي تحتكره ١٠% من المكاتب الهندسية، بينما تتنافس ٩٠% من المكاتب على ١٠% من العمل الهندسي في السوق الفلسطينية، في واقع مرضي لا بد له من ضوابط وقواعد وقوانين تحكمه حتى يصل إلى درجة معقولة من موضوعية التوزيع والقيمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *