يزداد تفاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية في قطاع غزة، مع اقتراب حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية من إتمام شهرها السادس، وسط شبه انعدام طال مختلف الجوانب الصحية، والمالية والغذائية وغيرها.
ويأتي ذلك مع بدء تصاعد عمليات القصف على محافظة رفح، التي تضم غالبية أعداد السكان والنازحين حاليا، مع تواصل التلويح الإسرائيلي بشن عملية عسكرية واجتياحها.
وتقول أسيل (29 عاما) إنها لا تريد الحديث عن النزوح والقتل والدمار الذي لا يتوقف، مضيفة: “أريد الحديث عن الوقت الذي كنا نعيش حياة آدمية، فيها كهرباء وماء وأمور أخرى تعدّ بديهية”.
وأضافت أسيل: “نحن لم نكن قبل الحرب دولة أو مدينة تعيش في خيام وعشش دون تعليم أو تطور، كان لدينا شركات ومؤسسات تعمل بالشراكة مع كبرى الشركات العربية والعالمية”.
وتوضح: “غزة ما كان فيها أزمة دولار.. أقل محل صرافة كان ممكن يوفر لك أي مبلغ تريده، كمان بتلاقي عنده يورو وجنيه وريال، أولاد غزة شاطرين وبيشتغلوا، والظروف الصعبة علمتهم يدبروا حالهم، وكانوا ما يحتاجوا حد بالدنيا”.
وتشير: “حد فاهم إيش يعني إسرائيل تكون تقصد قتل رواد التكنولوجيا والبرمجة في غزة؟ هالقد هم خطر عليها؟ وهي نفسها اللي بتروج لحالها إنها رائدة الستارت أب (المشاريع الناشئة) في العالم”.
وتتساءل: “بعد كل هذا، صرنا ندور كيف نلاقي أكل ناكله، ومي نضيفة نشربها؟ نسينا شو يعني تضوي نور لمبة وتدخل الحمام بدون قزازة مي وبدون ما تشيل هم النظافة الشخصية”.
وتضيف: “كنت أدرس الماجستير في مجال الإعلام قبل الحرب، وكانت على وشك بداية الإعداد للرسالة وفتح مساحات جديدة لي في حياتي المهنية، لكن الاحتلال لا يقتل فقط الفلسطينيين ويدمر بيوتهم، بل يقتل الأحلام والطموحات والعقول، وهي الأشد خطرا عليه”.
من ناحيته، يقول وليد (34 عاما) إنه في بعض الأحيان يفكر في أبعاد هذه الحرب، وكيف دفعت الفلسطينيين للتفكير في أمور الحياة فقط بعيدا عن حياتهم السابقة وطموحاتهم وأحلامهم، مضيفا: “لكن أكيد فش حد مش نفسه يرجع لحياته قبل الحرب مهما كانت”.
ويضيف وليد: “كنت مسؤولا عن مشروع أستوديو للتسجيل الصوتي، وتمكنت مع بعض الأصدقاء والشركاء من التشبيك مع جهات عربية ودولية لتسجيل الكتب الصوتية والروايات”.
ويوضح: “كنا نتعاون مع أكثر من 15 مؤديا صوتيا في غزة، أصواتهم كانت الأميز لدى الشركات التي نتعاون معها، وأعمالهم كانت تحصد آلاف أعداد الاستمتاع عبر تطبيقات الكتب الصوتية المختلفة التي نتعامل معها”.
ويكشف: “شباب غزة اللي الآن مستقبله مجهول معتم كان بقدر يطلع من 500 إلى 1000 دولار لتسجيل الرواية الواحدة التي قد تستغرق من أسبوعين إلى ثلاثة فقط”.
ويذكر: “وهذا عمل جانبي وغير أساسي لهؤلاء الشباب، لكن هذا المبلغ هو طموح شهري للعديد من الشبان في العديد من الدول العربية المجاورة”.
ويقول: “الآن طبعا تدمر الأستوديو وما فيه من معدات تسجيل وعزل وأجهزة كانت باهظة الثمن، وصعب الحصول عليها بسبب الحصار، هؤلاء الشباب الآن مشغولون في إشعال الحطب للطبخ، والتجول في الأسواق بهدف الحصول على بعض حاجياتهم بسعر معقول”.
أما إبراهيم (28 عاما)، الذي يعمل في مجال التسويق وإنتاج المحتوى الرقمي، فيقول: “بعدما تخرجنا عملنا في بعض المؤسسات التقليدية ضمن مجال عملنا، كانت جهات بطيئة تعاني من ضائقات مالية كبيرة بسبب اقتصار عملها على الشركات المحلية”.
ويؤكد إبراهيم بقوله: “فكرت لماذا لا أبدا مشروع خاص بذات المجال، لأستهدف شركات من خارج غزة وخارج فلسطين أيضا، لماذا لا أستهدف الخليج المزدهر اقتصاديا؟ وفكرت أن صاحب أي مشروع يهدف للربح وتقديم منتج جيد، وهذا ما سنقدمه له، أسعار خدماتنا ستكون منافسة لأسعار الشركات في الخليج”.
ويكشف إبراهيم: “تطورت شركتنا الصغيرة، وأصبحت تدر دخلا جيدا، عملت على توسيعها وزيادة عدد الموظفين، لكن كل الشركات والمقاهي وأصحاب الأعمال في خارج فلسطين استمروا بعملهم طبعا خلال الحرب، ولذلك خسرناهم، وأصبحت شركتنا بلا أي دخل حاليا”.
ويوضح: “أنا وكل من كان يعتمد على هذه الشركة أصبح بلا أي أمن مالي، الآن أنا أبيع الخبز المسفن بمساعدة أمي (خبز فلسطيني معجون بزيت الزيتون)، وهذا هو مصدر دخلي البسيط، وأتعجب وأتحسر عندما أجد أحد أصدقائي المبدعين يكتب أنه كم يتمنى ويشتهي تناول تفاحة، سعدت كثيرا أنه تمكن من ذلك بعد 170 يوما من الحرب، وبسعر وصل إلى 10 دولارات تقريبا للكيلوغرام”.
المصدر: عربي 21