في ندوة لأوربت بالشراكة مع الرواد للصحافة

منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967 وضعت إسرائيل يدها على غالبية مصادر المياه، وفي الوقت نفسه، ربطت الفلسطينيين بها كهربائيا، وسيطرت بذلك على عصبين مهمين لحياة الفلسطينيين.

ولم تفلح الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية في التحرر من تلك الهيمنة الإسرائيلية، وبقيت مصادر المياه والطاقة في يد الاحتلال الإسرائيلي يستخدمهما كسلاح وأداة ابتزاز للفلسطينيين للحصول على تنازلات سياسية.

وفي محاولة لتسليط الضوء على واقع المياه والطاقة، توجهنا إلى عدد من المختصين من الهيئات المحلية والمؤسسات المختصة في مجالي الكهرباء والمياه.

إياد خلف: لا يوجد تخطيط لقطاع الطاقة أو المياه وإنما حل أزمات

وشرح لنا المهندس إياد خلف، رئيس مجلس إدارة شركة توزيع كهرباء الشمال ونائب رئيس بلدية نابلس فلسطين واقع الطاقة في فلسطين، مبينا أنه وبناء على اتفاق “أوسلو”، ليس لدينا مصادرنا الخاصة للطاقة الكهربائية وإنما من الشركة القطرية الإسرائيلية، وهذا الأمر فرض تحديات كبيرة أمامنا بسبب تحكم الطرف الإسرائيلي في مصدر وكمية الطاقة والقدرة الممنوحة، وممارسته الضغوطات علينا من هذا الجانب، مما يحد من فرص النمو الاقتصادي.

وبين أنه وبسبب انعدام مصادر الطاقة الأخرى، كان لدى الحكومة الفلسطينية توجهات للاعتماد على الطاقة البديلة، لكن مشكلة هذا المصدر أنه في حال انقطاع التيار الكهربائي أو فصله، فلا يمكن الاستفادة من هذا المصدر، وهذا يتطلب الاعتماد على تخزين الطاقة المنتجة، وهذا بديل مؤقت.

وأضاف: “نحن نشجع المواطنين والشركات والبلديات على التوجه للتخزين، وهذا ممكن أن يحل جزءا بسيطا من الحاجة الكهربائية”.

وقال خلف: “نحن لا نستطيع حتى الآن توليد الكهرباء أو استيراد الكهرباء من طرف آخر غير الشركة القطرية، وهناك تحديات أمامنا للحصول على الكهرباء من دول عربية، منها الحاجة لاستخدام الشبكات الإسرائيلية للنقل أو عبر خطوط تمر بأراضي (ج) وهذا يتطلب تراخيص واجتياز المعيقات التي يضعها الاحتلال”.

ولفت إلى أن شركة كهرباء القدس هي الوحيدة التي تمكنت من الحصول على طاقة من الأردن، وبعد جهد كبير، لكن باقي الشركات والبلديات لم تتمكن.

وحول وجود رؤية مستقبلية واضحة لتطوير قطاع الكهرباء، قال خلف إن الاحتلال يتحكم في مصادر المياه والطاقة، وإن شركات توزيع الكهرباء لا تملك رخصة توليد وإنتاج الكهرباء.

وأوضح أن هناك عدد من المشاريع لتوليد الطاقة لكنها لم ترَ النور حتى الآن، ومنها مشروع توليد 50 ميغاواط من حرق النفايات في مكب زهرة الفنجان، وقد تأسست شركة لهذا الغرض بناء على عطاء دولي، وهناك رؤية لإقامة محطة توليد للكهرباء بواسطة الغاز بقدرة 200 ميغاواط، لكن الفكرة لا زالت على الورق بسبب الحاجة لتمويل ضخم، رغم أنه تم تحصيل 70% من التمويل اللازم.

وأشار إلى أن مدينة جنين ومخيمها تتعرض لأضرار في شبكة الكهرباء والمحولات مع كل اجتياح إسرائيلي، وتبذل شركة “كهرباء الشمال” كل جهدها لإعادة الكهرباء في أسرع وقت، خاصة وأن الشركة اشترت الكثير من احتياجاتها من المواد استعدادا للطوارئ.

وأكد أن الشركة تكبدت خسائر فادحة تزيد عن 10 ملايين بفعل الاجتياحات الإسرائيلية لجنين منذ 7 أكتوبر، عدا عن المحولات والكوابل التي زودتها بها سلطة الطاقة.

أما نابلس التي تزود 4 مخيمات بالمياه والكهرباء، فتتعرض لتدمير متعمد للشبكات خلال الاقتحامات، إذ يتعمد الاحتلال ممارسة العقاب الجماعي باستخدام ضروريات الحياة من مياه وكهرباء.

وقال إن بلدية نابلس وضعت خطة طوارئ بديلة لتأمين ضخ المياه في حال تدهور الأوضاع وانقطاع التيار الكهربائي.

وذكر خلف أن البلديات تتعرض لانتقادات من المواطن، لكنها في الوقت نفسه ليس بإمكانها توليد الطاقة أو استخراج المياه.

وأشار إلى عدم تكاتف الهيئات المحلية وعدم وجود استراتيجية على مستوى قطاع المياه أو الكهرباء، وكل منطقة تعمل لوحدها وتحاول سد احتياجاتها الذاتية.

وقال إنه لا يوجد تخطيط لقطاع الطاقة أو المياه وإنما حل أزمات، مؤكدا على الحاجة لرسم استراتيجياتنا الواضحة، سواء في مجال الطاقة أو المياه للسنوات العشرين القادمة.

ويوصي خلف بعقد اجتماعات بين البلديات من أجل تكامل الجهود فيما بينها واستغلال مقدرات الشعب الفلسطيني وأن تدار وتنظم بشكل أفضل، ولا يجوز أن تعمل كل بلدية بشكل منفرد دون وجود مخططات إقليمية تتقاطع مع المحافظات في مجال المياه والطاقة.

سامي داوود: إسرائيل تستخدم المياه كسلاح للسيطرة وابتزاز الشعب الفلسطيني

المهندس سامي داوود، مدير مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين/ فرع نابلس أوضح أن لدينا وفرة من المياه ومصادرها، لكن الواقع السياسي والاحتلالي يفرض أزمة مياه.

وأوضح أنه ومنذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، سيطر الاحتلال الإسرائيلي على مصادرنا المائية وباتت 85-90% من المصادر تحت سيطرة الاحتلال، وما تبقى يعمل الاحتلال احتكار إدارته، ولا يسمح للسلطة أو المزارعين أو البلديات بإدارة هذه المصادر أو التخطيط لها، ولهذا هناك أزمة وفجوة مائية.

وأوضح أن معدل الاستهلاك الفلسطيني من المياه لا يرقى إلى معايير منظمة الصحة العالمية وهو أكثر من 100 ليتر يوميا من المياه النظيفة، لكن حصته الفعلية هي 84 ليترا في المدن وبعض القرى، أما في تجمعات مناطق (ج) فلا تزيد عن 30 ليترا، وهذا يؤثر على الصحة والنظافة العامة.

وأشار إلى أن عدم وفرة المياه لا تشجع على التوجه إلى الزراعة التي هي أساس الاقتصاد الفلسطيني ويعتمد عليه المواطن الفلسطيني بشكل كبير خاصة بعد 7 أكتوبر والعودة للأرض.

وقال إن الأراضي المروية في الضفة لا تزيد عن 100 ألف دونم، لكن هناك إمكانية لاستصلاح المزيد من الأراضي وريها لو توفرت المياه، وبالتالي خلق فرص عمل وتحسين الاقتصاد.

ونبه إلى أن الاحتلال فرض قوانين لتعزيز سيطرته على مصادر المياه باعتباره تلك المصادر ملك لدولة الاحتلال ويمنع على الفلسطيني تطويرها أو إقامة منشأة عليها إلا بتصاريح من الاحتلال، وحسب إحصائية منظمة “أوتشا” فإن 4-5% من الطلبات المقدمة فقط يتم الموافقة عليها وبعد مرور عدة سنوات.

وأشار إلى أن الكثير من التجمعات السكانية الفلسطينية لديها شبكات مياه، لكن كمية المياه المتاحة قليلة جدا، ولهذا يلجأ السكان أحيانا إلى مصادر غير آمنة، كالمياه الملوثة أو عالية الثمن بحيث تشكل 25% من معدل دخله.

وأكد أن إسرائيل تعتبر المياه سلاحا يمكن استخدامه للسيطرة وابتزاز الشعب الفلسطيني ضمن خطة مدروسة ومقصودة، لافتا أن الاحتلال استخدم المياه كسلاح بشكل كبير، عبر قصف البنية التحتية لخطوط المياه ومحطات الضخ ومحطات التحلية والابار الجوفية وآبار تخزين الوقود، مع العلم أنه وقبل الحرب كانت غزة تعاني من نقص المياه الصالحة للشرب، و97% من مياهها كانت ملوثة.

ولمواجهة سياسة التعطيش التي تمارسها إسرائيل، يقترح داوود العمل على إدارة ما هو متاح م مصادر بالشكل الأمثل، وتأهيل البنى التحتية بشكل سليم، وتقليص الفاقد من المياه والذي يصل إلى 55% في بعض المدن، ورفع كفاءة استخدام المياه في القطاع الزراعي والتركيز على الزراعات الأقل استهلاكا للمياه.

وحث على استخدام المياه المعالجة كمصدر مساعد، لافتا إلى أن مدينة نابلس تنتج يوميا 10-12 ألف متر مكعب من المياه المعالجة بمواصفات عالية بحيث يمكن استخدامها في الزراعة، لكن فعليا يستخدم جزء قليل منها لري 100 دونم فقط والجزء الأكبر يذهب وتتكلف السلطة مقابل كل متر مكعب من تلك المياه 2.8 شيكل بحجة أنها ملوثة ولا تطابق مواصفات المياه المعالجة في إسرائيل.

كما يدععو داوود إلى التوجه لجمع مياه الأمطار في آبار جمع أسفل المنازل والبنايات في المدن والقرى، والتركيز على الوعي المجتمعي من أجل الاستخدام الأمثل للمياه.

د. أسماء الشرباتي: نحن لا نمتلك مواردنا المائية

د. أسماء الشرباتي، نائبة رئيس بلدية الخليل، قالت إن أزمة المياه في مدينة الخليل أزمة مركبة وكارثية، وقد بلغت ذروتها هذا العام ووصلت دورة المياه إلى 57 يوما، وبلغ متوسط حصة الفرد من المياه في الخليل 30 ليترا.

وأضافت: “دخلنا في أزمة صعبة ترتب عليها ردود فعل حادة من المواطنين وإحساس بالقلق وعدم الأمان والاعتماد الشديد على صهاريج المياه بما تتضمنه من مشاكل.

وأشارت إلى أن فلسطين لديها مخزون عال من المياه الجوفية والابار الارتوازية، لكن كل موارد توزيع المياه تقع تحت سيطرة الاحتلال، وتم في اتفاق “أوسلو” الموافقة على الحصص التي ستحصل عليها السلطة الفلسطينية من الاحتلال، لكنها لم تمتلك موارد المياه والابار، ولا يسمح للمؤسسات والبلديات بالبحث عن مصادر دائمة، ويحتاج ذلك إلى أذونات من الاحتلال الذي يواجه 95% من الطلبات بالرفض.

وأوضحت أنه في حال الاستثمار في بعض الابار الموجودة لتطويره أو معالجة مياهه، تقوم سلطة المياه بخصم المياه الناتجة من حصة المدينة.

وذكرت أن مصدر المياه الوحيد لمدينة الخليل هو سلطة المياه والتي تحصل بدورها على المياه من شركة “مكروت” الإسرائيلية، وتحصل الخليل من خزان رئيسي على حصص يومية بمعدل 20- 22 ألف كوب، قبل الأزمة الحالية، وهي أصلا لا تكفي لمدينة الخليل التي تحتاج إلى 40 ألف كوب يوميا من أجل حياة كريمة وفيها آفاق للتنمية أو تطوير القطاع الزراعي، وهذا كان يجعل مدة دورة المياه 20 يوما.

لكن بعد الأزمة الحالية، انخفضت الكمية بنسبة 40% لتصل إلى 12 ألف كوب، وهذه الحصة لم تكن تصل بشكل مستقر، وانما قد يأتي انقطاع لمدة 12 ساعة أو أكثر، الأمر الذي جعل البلدية غير قادرة على الإعلان عن برنامج للتوزيع بشكل مسبق.

وشددت على أن المشكلة الأساسية سببها الاحتلال، لكن هناك مشكلة ثانية سببها سوء التوزيع العادل والمنصف بين المناطق في الضفة الغربية، مبينة أن الأزمة تزداد في الجنوب بشكل عام، ولكنها أشد في مدينة الخليل.

وأوضحت أن المواطن يضطر للجوء إلى الصهاريج للحصول على المياه من مصادر غير رسمية وليس بالضرورة أن تكون مضمونة.

وقالت إنه في ظل أزمة المياه، تقف البلديات عاجزة في مواجهة المواطن الذي يتوقع منها توفير المياه له، وهذا واجبها، لكن ماذا بيد البلديات أن تفعله وهي مكبلة اليدين؟

ونبهت إلى أن المانحين يدعمون مشاريع تطوير المياه، كتحسين الشبكات وإدارتها، لكنهم لا يدعمون مشاريع تساعد في ديمومة مصادر المياه، وكل هذه المشاريع هي حلول تجميلية لا تحل المشكلة.

ورأت د. شرباتي أنه لا يوجد أفق للخروج من أزمة المياه بدون عمل مشترك بين البلديات والحكومة، معتبرة أن الرغبة الجدية للتعاون للخروج بحلول استراتيجية غير موجودة.

وقالت: “نحن لا نمتلك مواردنا، وإنما ننتظر وصول حصتنا مهما كان حجمها، ولا يوجد أفق للديمومة في ظل الواقع الحالي”.

وفي مجال الطاقة، أعلنت الشركة القطرية أنها لن تستثمر بتطوير المصادر الكهربائية، وبلدية الخليل تحصل على 105 ميغاواط من “القطرية” لكن ما تحتاجه فعليا يتجاوز 140 ميغاواط، خصوصا مع دخول الشتاء.

وبينت د. شرباتي أن شركة كهرباء الخليل تفكر بالحصول على حصة إضافية من خلال الشركة الناقلة التي تحصل على الكهرباء من “القطرية”.

د. رياض عبد الكريم: لا بد من رؤية متكاملة بين البلديات وسلطتي المياه والطاقة

د. رياض عبد الكريم، رئيس بلدية طولكرم، أوضح لنا أن كمية المياه التي تحصل عليها طولكرم حاليا كافية وتغطي احتياجات المواطنين في المدينة ومخيميها، إذا تمتلك عددا من الآبار الارتوازية وهي كافية في حال عدم تعطلها، لكنها ليست كافية للاحتياجات المستقبلية، ولا بد من البحث عن مصادر إضافية.

وأشار د. عبد الكريم إلى أنه في الآونة الأخيرة تعرضت لتخريب للبنية التحتية وبالذات شبكة المياه خاصة في المخيمين وبعض أجزاء المدينة تعرضت للتخريب في الخطوط الناقلة

وبين أن مدينة طولكرم هي المزود للمخيمين بالمياه، وعندما يتم ضرب الخطوط الرئيسية الناقلة يؤدي ذلك إلى انقطاع تزويد المياه لفترة طويلة، إذ أن بناء شبكة المياه يحتاج لوقت طويل.

وقال إن هناك عملا مستمرا لتوصيل المياه لكل المناطق التي انقطعت عنها المياه بسبب تدمير خطوط المياه، وعملت بلدية طولكرم على توصيل المياه بطرق بديلة من خلال الصهاريج أو توفير عبوات مياه معدنية للشرب.

وقال “المشكلة أننا كلما انتهينا أو اقتربنا من من إصلاح الأضرار في الشبكة، يتم اجتياح المدينة مجددا وتدمير البنية التحتية وشبكة المياه”.

وحول دور البلديات واتحاد البلديات في تعزيز قطاع المياه والكهرباء، أكد د. عبد الكريم أن لهم دور مهم لكن طوال عام كامل عاشت فيه الضفة ظروف طوارئ استثنائية، كان جهد البلديات يتجه بالغالب نحو المعالجة على حساب الخطط التطويرية.

وأكد ضرورة أن يكون هناك دور لاتحاد البلديات، مبينا أن هناك تواصل مع سلطة المياه وسلطة الطاقة لبحث الحلول والاستراتيجيات للمستقبل، “ولكن نتطلع لدور أكبر من اتحاد البلديات للتعاون في استغلال مصادر المياه المختلفة”.

وتابع قائلا: “لا بد أن تكون هناك رؤية متكاملة من خلال التعاون بين البلديات واتحاد البلديات وسلطة المياه وسلطة الطاقة، وعقد ورش عمل للخروج برؤى استراتيجية للتغلب على المعيقات التي يضعها الاحتلال لاحتكار مصادر المياه والطاقة”.

وقال إنه لا بد من البحث عن حلول إبداعية وخلاقة لتوفير مصادر للمياه والطاقة، وهناك أفكار ممكنة مثل مشاريع “الحصاد المائي” عبر إيجاد خزانات لتجميع المياه أسفل كل مبنى، وتعزيز ثقافة ترشيد الاستهلاك للكهرباء والمياه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *