مدير عام المخيمات السابق ياسر أبو كشك
يجب على سؤال ماذا يعني المس بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”
أجرى اللقاء: سامر خويرة
سؤالان هامان، كان على الفلسطينيين الاجابة عليهما منذ فترة طويلة أو على الأقل الجهات ذات الاختصاص، الأول يتعلق ماذا لو لم يكن هناك وكالة غوث، بمعنى لو لم تنشأ وكالة الغوث ماذا كان سيحصل؟ والثاني والأكثر أهمية ماذا لو رحلت وكالة الغوث؟ … المغزى من ذلك أنه يترتب عليهما سيناريوهات عدة تتطلب من الشعب الفلسطيني وقيادته وضع الخطط التي ستنتج عن أي ارتدادات خطيرة قد تمس الشعب الفلسطيني ومستقبله. فكثير من الشعوب تعرضت لنكبات وهجرات عديدة، -وإن كانت لا تقارن بما حل بالشعب الفلسطيني-لكن تم التعاطي معها بشكل مختلف.
مدير عام المخيمات السابق في دائرة شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة التحرير ياسر أبو كشك، يجيب بطرحه أسئلة إضافية، قائلا: لو لم تنشأ وكالة الغوث هل كان سيفقد الشعب الفلسطيني حقه! هل كان سيتشرد ويذوب في المجتمعات الأخرى! أم سيكون لديه إصرار أقوى لنيل حقوقه والسعي بشكل حثيث للعودة! هل وجود وكالة الغوث اسهم بنيل حقوق الشعب الفلسطيني وسرّع بنيل حقوقه وعلى رأسها حقه بالعودة لقراه ومدنه وبلداته المدمرة!
لا شك أن هناك شبه اجماع على أن الوكالة شاهد على النكبة وتُذّكر العالم بالظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني وتدق الخزان دوما بوجوب ايجاد حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
ويضيف “علينا أن نتعايش مع فكرة رحيل وكالة الغوث رغم أن استمرارها مرهون بانتهاء محنة اللاجئين. ولكن السؤال المطروح هل ستستمر الوكالة إلى الأبد في ظل قبول القيادة السياسية لمنظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بوجود دولة الاحتلال على الأراضي المحتلة عام 1948 ومطالبتها بدولة فلسطينية على حدود 1967، وهي التي تأسست قبل احتلال 1967 وكان ميثاقها يؤكد على اقامة الدولة الفلسطينية على الحدود التاريخية لفلسطين. حتى حركة حماس التي كانت تتنكر لقبول دولة في حدود 1967 بدأت بشكل خجول تتقبل الفكرة والآن تتحدث بشكل معلن عن امكانية قبولها بذلك.
ومن جديد، يعود أبو كشك لطرح الأسئلة. ماذا تعني دولة فلسطينية على حدود 1967 للاجئين وخصوصا لسكان المخيمات! ما هو التغيير الايجابي في حياة سكان مخيمات الضفة وغزة والشتات، إذا علمنا انه في الاتفاقيات هناك اصرار وتمترس لدى الاحتلال برفض عودة اللاجئين حتى إلى دولتهم المفترضة -التي عاد الاحتلال لرفض وجودها أو القبول بها- وهناك اغلبية كبيرة جدا في المجتمع الصهيوني في فلسطين المحتلة برفضها حزبيا وشعبيا، حتى في ظل تشكل سلطة ضعيفة في الضفة وغزة انعكس سلبيا على موضوع المخيمات الفلسطينية، حيث جرى تسويق الفكرة من طرف الاحتلال ولها قبول لدى الداعمين للكيان بانه هل يعقل أن يكون لاجئين في دولتهم! وهل يعقل ان يستمر وجود المخيمات تحت سلطتهم ودولتهم، فدولة على حدود 67 تزيد من محنتهم وتعمق مأساتهم.
حِراك محموم
وعودة على بدء، هناك تحرك محموم من الاحتلال واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء عمل الوكالة. لماذا السعي المحموم لذلك، لان الاحتلال يسعى جاهدا بإقرار يهودية الدولة بمعنى أن أرض فلسطين هي حق تاريخي ووجودي للشعب اليهودي ولا يسمح أن ينافسه أحد على هذا الحق وبإنهاء عمل الوكالة يتم تفكيك قضية اللاجئين بإنهاء وجود المخيمات بحيث تصبح مجتمعات وتجمعات محلية حيث كانوا، وبإنهاء قضية اللاجئين، يتم الغاء شرعية الوجود الفلسطيني على ارض فلسطين، وهو ما يسعى الاحتلال لتحقيقه.
في الفترة الأخيرة اصبح ذلك ينطبق على كافة الأراضي الفلسطينية بما فيها الضفة والقطاع وهي مشاريع معلنة وليست مجرد ادعاءات واقوال في الغرف المغلقة، فقد بدأت عمليا، بالتشريعات القضائية التي يطالب اليمين بإقرارها في الكنيست، بحيث اي مشروع يتم اقراره لا يحق للمحكمة العليا نقضه، ومن ضمن المشاريع المعدة للإقرار مباشرة اذا تحققت التعديلات القضائية، قانون فرض السيطرة على الضفة الغربية وضمها، وسيقول قائل ان هذا قد يؤثر على الاغلبية في الاراضي الفلسطينية، ولكن سيلحقها -كما هو معلن- نزع صفة المواطنة على الفلسطيني وان يصبح بدون حقوق مدنية، وكذلك -وما هو غير معلن- نزع صفة المواطنة عن الفلسطينيين في اراضي محتلة عام 1948 لاحقا، وتخيير الفلسطيني بين ثلاث خيارات اولاها الهجرة الطوعية وتوفير بلدان لاستقبالهم، وهناك العديد من الدول ابدت موافقتها او ستوافق على ذلك بتوفير مزايا او ضغوط، او انها حقيقة بحاجة لمهاجرين.
الخيار الثاني –وفق أبو كشك-أن يبقى الفلسطيني في فلسطين بدون حقوق مواطنة بصفته شخص مقيم في دولة اخرى، ويمكن طرده في اي وقت لحاجة دولة الاحتلال لأيدي عاملة، والخيار الثالث في حال رفض الفلسطيني اي من الخيارين السابقين يتعرض للسجن او القتل، بمعنى إذا رفض الأمر من خلال مقاومة سلمية يتعرض للسجن، وإذا رفض واستخدام العنف، يتعرض للإعدام وهو أحد القوانين التي يسعى اليمين لإقرارها ولكن بعد اقرار التعديلات القضائية.
تفريغ الوكالة من محتواها
هذا فيما يتعلق بالاحتلال ويوازي ذلك سعي مستمر من دول داعمة للاحتلال لتفكيك الأونروا بطرق عديدة، ولكن علينا بداية ان نؤكد ان وكالة الغوث انشئت بقرار اممي من الجمعية العمومية، وهناك اغلبية داعمة لاستمرارها، حيث معظم دول العالم تدعم حقوق الشعب الفلسطيني، ولا يمكن حلها إلا من خلال قرار اممي، وهذا من الصعب تحقيقه ما يتطلب السعي لتفكيها، ويكون ذلك بإفراغها من محتواها، بحيث تصبح غير قادرة على اداء مهامها، وبدأت الامور تخرج للعلن في المؤتمر الذي عقد في اوروبا مع قدوم السلطة الفلسطينية لفلسطين، حيث عقد مؤتمر مشترك للمانحين مع الدول المضيفة، التي عرض عليها ان تتكفل باللاجئين لديها وتقوم الدولة الداعمة لوكالة الغوث بتحويل الميزانيات للدول المضيفة التي تقوم بدورها بتغطية احتياجات اللاجئين مقابل رحيل الوكالة الدولية، اضافة الى امتيازات اخرى، وقد قوبل هذا الطلب بالرفض بشدة من الدول المضيفة، لاعتبارات عديدة تتعلق بقضايا داخلية، فلبنان يرفض لاعتبارات طائفية وتوازنات يتم الاخلال فيها، وسوريا تعتبر نفسها راس حربة في مواجهة المخططات التي تستهدف الشعب الفلسطيني والاردن الذي يمثل هذا الامر حساسية شديدة في ظل نسبة كبيرة من الفلسطينيين تعيش فيه، وقد يحدث القبول بهذا الامر تعقيدات تصبح الاردن غير قادرة على مواجهتها، اضافة للسلطة الفلسطينية التي لا يمكن لها ان تتنازل عن حقوق شريحة كبيرة من ابناء شعبها والذين بمعظمهم لاجئين، حيث ستفقد مبرر وجودها.
يستدرك أبو كشك قائلا “بناء على ما تقدم سعت الولايات المتحدة وهي التي تدفع بقوة لمثل هذه التوجهات تحت ضغط اللوبي اليهودي والمسيحية الصهيونية أو ما يسمى بالمحافظين الجدد، إلى تخفيض الميزانيات وجس النبض، ماذا ستكون ردود الفلسطينيين إذا ما تم استهداف الوكالة الأممية.
ويضرب ألو كشك مثالا عما جرى عام 2015، حين أعلن المفوض العام أن الوكالة غير قادرة على بدء العام الدراسي، نتيجة العجز المالي، وقد ووجه هذه القرار باحتجاجات شعبية شديدة وخصوصا بالضفة الغربية، ما دفع بالقنصلية الأمريكية في حينه، لإجراء حوارات مع ممثلي اللاجئين والمخيمات حول تداعيات قرار المفوض العام وكانت الاجابة موحدة بانه اذا لم يدرس ابناؤنا فسيكون من الصعب افتتاح العام الدراسي في سائر الاراضي الفلسطينية، وشعرت الحكومة الامريكية ان هناك خطر بانهيار السلطة الفلسطينية وهو امر لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لحصوله، وحينها اوعزت لبعض الدول وخصوصا الخليجية منها بتغطية العجز في ميزانية وكالة الغوث، ما منع من حصول ازمة لم يكن معروف مآلها، ولاحقا لذلك ومع استلام ترامب رئاسة امريكا في المرة الأولى (2016-2020) اوقف الدعم بشكل كامل عن وكالة الغوث، ما استدعى ان تزيد دول اخرى مساهمتها لتغطية العجز في الميزانية الناجم عن وقف الدعم الأمريكي، وخصوصا من دول الاتحاد الاوروبي التي لم تكن تتفق مع توجه الادارة الامريكية.
هناك قناعة كبيرة لدى دول كثيرة بان عدم ايجاد حل للقضية الفلسطينية ينعكس سلبا على مجمل الاوضاع الاقليمية، وحتى الدولية، وهذا ما يجعل المجتمع الدولي مترددا في قبول انهاء عمل وكالة الغوث قبل ايجاد حل مقبول لمجمل الشعب الفلسطيني، وهو ما يفسر التذبذب في مواقف الدول حيث نجد على سبيل المثال ان كندا حين استلم اليمين الحكم فيها، اوقف الدعم وحين خسر اليمين الانتخابات اعادت دعمها لوكالة الغوث، وهذا ما يحصل مع الادارات الامريكية المتعاقبة وكذلك الدول الاوروبية والتي يتذبذب دعمها بناء على تصورات الاحزاب الحاكمة، ولكن وباعتبار ان الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي هم اكبر الداعمين لوكالة الغوث وهم دائما من يقدمون مصلحة الكيان المحتل على مصالح الشعب الفلسطيني، ودعمهم لوكالة الغوث يأتي من ان وجودها ضمان للاستقرار في المنطقة وضمان لاستمرار وجود الكيان المحتل.
مصير صعب
ويشير أبو كشك إلى أن المخيمات ستكون أكثر المتضررين نتيجة توقف الخدمات الأساسية للوكالة “التعليم الأساسي والخدمة الصحية وصحة البيئة المتمثلة بعمال النظافة ومياه الصرف الصحي”. خلاف ذلك يتلقى اللاجئون عموما وسكان المخيمات خصوصا، التعليم الثانوي في المدارس الحكومية ومعاملتهم من السلطة الفلسطينية متساوية مع معاملة اقرانهم من غير اللاجئين، حيث يستطيعون الحصول على منح دراسية أو علاج بالمستشفيات ضمن القوانين المرعية فيما يختص بتغطية التامين الصحي وأي خدمات حكومية أخرى على قدم المساواة مع غيرهم. يقول “لهذا ستصبح السلطة ملزمة ومجبرة ضمن قوانينها بسد الفجوة الحاصلة نتيجة رحيل الوكالة، رغم أن السلطة تعاني عجزا لا يُمكّنها من تغطية رواتب موظفيها، فهل تستطيع تغطية أعباء رواتب آلاف العاملين في الوكالة وتوفير المصاريف التشغيلية لمدارسها وعياداتها وخدمات صحة البيئة!
ويضيف “في لبنان، يعيش اللاجئين أوضاعا مأساوية، وبسبب ذلك هاجر الآلاف منهم، وفي سوريا التي كان يقطنها أكثر من 650 ألف لاجئ فلسطيني، تتحدث وكالة الغوث عن بضعة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين بقوا هناك”.
وفي الأردن التي تتحدث وكالة الغوث أن 2.5 مليون فلسطيني مسجلين لديها فيه، يعيش نصف مليون منهم في المخيمات، وانسحاب الوكالة الغوث يضيف عبئا أكبر على حكومتها التي يعاني اقتصادها من ظروف صعبة نتيجة شح الموارد”.
ويشدد أبو كشك على أن وجود الوكالة هو قضية سياسية أكثر منها خدماتية تستهدف مستقبل الشعب الفلسطيني ووجوده، والمس بوجودها يعني أننا في المراحل الأخيرة من تصفية القضية الفلسطينية، ونحن شركاء بشكل أو بآخر في تحقيق ذلك بقبولنا بحل الدولتين والذي قضت حكومة الاحتلال وعبر سنوات طويلة عن امكانية تحقيقه.
ويرى أن “مواجهة هذا المخطط الخطير واستفراد حكومة الاحتلال بالشعب الفلسطيني في ظل تراجع اهتمامات المجتمع الدولي بل تواطؤ الغرب مع ممارسات حكومة الاحتلال يتطلب مراجعة اولوياتنا والتنبه للمخاطر المحيطة والعودة رفع شعار الدولة الواحدة أي دولة لكل مواطنيها ليس كشعار فقط بل لهدف واقعي بالإمكان تحقيقه، هو فقط السبيل الوحيد لهزيمة المشروع الصهيوني ويهودية الدولة قبل أن يكون مصير الفلسطينيين كمصير الهنود الحمر في أمريكا”.
ويختم “الخطر يستهدف الوجود الفلسطيني في كل مكان (الضفة وغزة، وبالتأكيد في فلسطين المحتلة عام 1948). الفلسطينيون حيث كانوا بحاجة لصوت واحد فلسطين دولة واحدة لكل مواطنيها هدف واقعي سيقبل به المجتمع الدولي، لا نهدف لإبادة شعب اخر أو تهجيره رغم الظلم التاريخي غير المسبوق الذي تعرض له شعبنا، إلا أننا شعب ينشد الحياة”.