لم يكن لجوءه سنة 2013 إلى ألمانيا اختيارا اعتباطيا، ففيها قضى أحمد الحنجول السنوات الثلاث الأولى من حياته رفقة أسرته، التي اختارت العودة إلى لبنان. “غادرت ألمانيا وأنا بعمر صغير رفقة عائلتي، كان عمري حوالي 3 سنوات حينما غادرنا صوب لبنان. هناك كبرت ودرست، لكن طالما كان هدفي العودة مرة أخرى لأكمل دراستي في ألمانيا”، يحكي أحمد في مقابلة مع مهاجر نيوز.
البدايات!
كان عمره حين القدوم إلى ألمانيا 24 سنة، عاش بمدينة هامبورغ بداية لمدة سنتين، وبعدها انتقل إلى برلين ليستقر هناك. يقول أحمد “لدي أقارب يعيشون في ألمانيا، الفترة الأولى لم تكن صعبة للغاية. للأسف في البداية لم أدرس اللغة لأن وضعي كلاجئ فلسطيني لبناني لم يسمح لي، إذ لم أحصل على دعم مالي للالتحاق بدروس اللغة الألمانية، لأني لم أحصل على موافقة على طلب لجوئي فورا، رفض طلبي الأول وحصلت على “إقامة تسامح” فقط (دولدونغ)، لذلك لم أستفد من دعم دراسة اللغة”.
أما عن قصته مع الفوتوغرافيا فيحكي أنها انطلقت صدفة، أي بعد سنة تقريبا من تواجده في ألمانيا. مارسها بداية كهواية، “اكتشفت شغفي بدون تخطيط للأمر، ثم حرصت على الحصول على كاميرا وبدأت في التقاط صور لمواضيع وأشياء مختلفة”، يحكي الحنجول.
يصف نفسه قائلا “أنا شخص إذا قام بأمر يقوم به بحب وشغف، وأسعى جاهدا للإبداع فيه وإتقانه، وهذا ما حصل لي مع هواية التصوير”. بهذا التصميم والحرص على الإتقان والتميز، انتقل أحمد الشاب الفلسطيني اللبناني من ممارسة التصوير كهواية إلى ممارسته كمحترف. “ركزت على تطوير نفسي بشكل كبير، عملت على ذلك بجهد فردي، لم أتلق أي دروس خاصة في التصوير، اعتمدت على ما يوجد من معلومات على الأنترنيت فقط. كما أنني حرصت على متابعة المصورين المحترفين كثيرا، وتعلمت من عملهم ومسارهم”.
في البداية، أي طيلة السنوات الثلاث الأولى، كان الموضوع مجرد هواية حسب ما يحكيه أحمد، اشتغل خلال تلك الفترة على أكثر من موضوع، ثم مع الوقت اكتشف أن أكثر موضوع يشده ويتقنه خلال العمل بالكاميرا والتقاط الصور، هو البورتريهات، أي تصوير الوجوه خاصة. يقول “هذا أكثر موضوع ركزت عليه، لقد تميزت فيه وحققت به شهرة وجوائز كثيرة في مساري إلى غاية الآن”.
انطلاقة حالمة!
زار الفوتوغرافي الشاب إلى الآن كلا من الهند ونيبال ولبنان، لأجل الاشتغال على موضوع تصوير الوجوه. يقول بخصوص هذه الرحلات “حصلت على صور قيمة للغاية، كان الأمر مكلفا للغاية، لكنه أثمر بورتريهات رائعة ومتنوعة”.
لكن رحلة تحقيق حلم الاحتراف والتميز والشهرة، لا تقتصر في قصة أحمد الحنجول على السفر لالتقاط بورتريهات جيدة فقط، بل يكافح فيها أيضا من أجل كسب المال الذي يكفي لأجل توفير مصاريف شغفه. “أعرض أيضا جلسات تصوير على زبائن، وأعطيت تدريبات خاصة في مجال تعديل الصور، كل هذا بهدف مساعدة نفسي على توفير ما أحتاجه من مصاريف لدعم مساري”.
لم يستطع الحنجول استكمال مسيرته الدراسية، ولأجل دعم هوايته وتوفير الماديات التي تساعده على السفر وشراء المعدات وآلات التصوير، اشتغل أيضا في أكثر من مهنة بسيطة في ألمانيا، مثل العمل في المطاعم أو لدى شركة أمازون وغيرها من المهن الصغيرة. وقد تمكن من تسوية وضعيته القانونية في البلد، وحصل على الجنسية الألمانية منذ ما يزيد عن السنة. قبل ذلك حصل على شهادة اللغة أيضا واندمج في المجتمع الألماني وتزوج وأسس أسرة، حسب ما يحكيه.
رحلة تحقيق الأحلام!
كانت أولى خطواته لعرض ما يلتقطه من صور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يقول “كنت أشارك أعمالي في مجموعات، وكنت أتلقى تشجيعا كبيرا وتفاعلا إيجابيا للغاية، وهذا كان محفزا كبيرا لي على المستوى المعنوي”. أول مسابقة شارك فيها كانت سنة 2017 وكانت مسابقة عربية، وحصل فيها على الرتبة الأولى في موضوع تصوير الوجوه. “بعد ذلك بدأ يشارك في المسابقات على مستوى ألمانيا، ثم على المستوى العالمي”.
“كان أكبر أحلامي الفوز بمسابقة على مستوى ألمانيا، لم أتوقع أن أحقق شهرة ومراتب أولى على المستوى العالمي”، يقول الشاب الذي تمكن من تحقيق المرتبة الأولى عالميا ثلاث مرات في مسابقة “تيستيفايد آواردز” في سنوات 2017 و2022 و 2023، وهي مسابقة سنوية يشارك فيها مصورون احترافيون من كل بلدان العالم.
في ألمانيا حصل أحمد على المركز الأول في أكثر من عشر مسابقات، كما تم تكريمه في برلين السنة الماضية، ومرة أيضا في إيطاليا بعد فوزه بمسابقة نظمت هناك. يقول المتحدث “بالنسبة لي ما أحققه من جوائز هو نجاحا للمغترب العربي عبر العالم، فأنا أرى نفسي صورة عن الشخص العربي المتواجد في ألمانيا، صحيح أني حاصل على الجنسية الألمانية، ومثلت ألمانيا في عدة مسابقات، لكن هذا لا يلغي كوني أمثل اللاجئ الفلسطيني اللبناني هنا”.
أوصل رسالتي دون دعم!
رغم ما يحققه من نجاح إلى الآن، لم يتلق أحمد الحنجول “دعما معنويا في صيغة تكريم أبدا من الجمعيات العربية أو أي مبادرة مشابهة، ولا حتى مادي مثلا بدعم إنشاء معرض لي هنا في ألمانيا. لم أعرض بعد لوحاتي في معرض احترافي، بسبب نقص الدعم”، يقول المتحدث.
ويصف الحنجول نوع التصوير الذي يمارسه بالشغف، لم ولا يجني أرباحا منه، لأنه يركز فيه على ما هو فني أولا. ويقول “يمكن أن يتغير الحال مستقبلا، إذا صارت صوري تعرض في المعارض وتباع بثمن غال. لكن هذا ليس هدفي من هذا المسار، بل هدفي إيصال رسالة”.
ويعتبر المتحدث أن “أي صورة هي رسالة في حد ذاتها، كل يقرؤها بطريقته حسب ملامح الشخص، لأن كل تركيزي على وجوه الأشخاص البسطاء والحقيقيين. الوجه هو هوية الشخص الذي يعبر عنه وعن هويته وثقافته، أجده أكثر تعبيرا عن حقيقة الأشخاص”.
يخطط الحنجول للسفر قريبا لدول جديدة لأجل الحصول على صور وجوه من ثقافات أخرى، لكنه يؤكد أن الأمر يتطلب دعما كبيرا. كما من المخطط أن يشارك في معرض ببرلين وآخر بلبنان. إضافة إلى نشر كتاب بصوره الملتقطة لحدود الساعة في كل من لبنان وألمانيا والهند ونيبال