أجرى اللقاء الصحفي: سامر خويرة

بعد تفوقه في المرحلة الثانوية، لم يجد الأستاذ لؤي نمر دويكات من مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة صعوبة في تحديد تخصصه الجامعي، حيث توجه لتعلم مهنة التعليم، فقد كان ذلك شغفيه منذ الصغر، متأثرا بمعلميه الذين تركوا بصمة في حياته، إذ رأى في هذه المهنة رسالة سامية ومكانة لا تضاهيها مهنة أخرى.

يقول “المعلم ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل هو قائد وموجه لأهم فئة في المجتمع: الطلبة، الذين يشكلون الأمل والمستقبل. هو المربي الذي يغرس القيم والأخلاق، ويصنع جيلاً قادرًا على مواجهة التحديات وبناء الوطن. المعلم هو القدوة التي ينظر إليها الطلاب بإعجاب واحترام، وهو الشخص الذي يزرع فيهم الثقة والطموح”.

أما على الصعيد الشخصي، فقد وجد في هذه المهنة السبيل لتحقيق ذاته، “فالتعليم ليس مجرد وظيفة، بل هو رحلة يومية من التحديات والتجارب الجديدة التي توسّع الآفاق وتُثري الفكر”، كما وصفها. ويتابع “بعد قرابة عقد من العمل في هذه المهنة، أستطيع القول بكل يقين إن كل يوم في التدريس يحمل معه فرصة جديدة للنمو والتطور. كل صباح هو بداية لآمال جديدة، وتجارب لا تُحصى، وإمكانيات غير محدودة. لهذا السبب، اخترت التعليم… لأنه ليس مجرد عمل، بل رسالة حياة”.

الدراسة الجامعية والالتحاق بسلك التربية والتعليم

هذا الحب للمهنة، ساعده على الحصول على منحة تفوق خلال دراسته مرحلة البكالوريوس، ما زاده حماسًا وإصرارًا على مواصلة رحلته الأكاديمية. يقول “لم يكن شغفي بالعلم يتوقف عند حد، فواصلت دراستي وأكملت درجة الماجستير في جامعة النجاح الوطنية عام 2013”.

وفي عام 2014، كان لي شرف الانضمام إلى سلك التربية والتعليم كمعلم، ومن هنا بدأت رحلتي في عالم التعليم، ذلك العالم الذي لطالما حلمت بأن أكون جزءًا منه. كانت هذه الخطوة نقطة تحول حقيقية، حيث وجدت نفسي أمام مسؤولية عظيمة وفرصة ذهبية للمساهمة في بناء جيل المستقبل.

لماذا الرياضيات؟

يجيب “الرياضيات تعني لي لغة الجمال والعقل في آن واحد. من جانب، تندمج رموزها الرشيقة والغامضة أحيانًا بطريقة جذابة بصريًّا لتشكل أيقونة تعبر عن معنًى محدد في هذا الكون أو صورة كانت تبدو لي غامضة وغير مفهومة في الطبيعة. حتى عندما لا نستطيع فهم ما تقوله المعادلات، يمكننا أن نتأثر بها بمجرد معرفتنا بأن لها معانيَ تفوق إدراكنا”.

ويضيف “من جانب آخر، الرياضيات تعبر عن لغة العقل والمنطق والحكمة، التي يمكنني من خلالها ترتيب الأفكار والرؤى والأحلام. لكل موقف علاقة، ولكل علاقة متغيرات، ولكل متغير رمز أو كائن يمثل شيئًا موجودًا في هذا العالم الكبير”.

طرق تدريس مبتكرة

يعود لؤي بالذكريات إلى نهاية العام الدراسي الأول له كمعلم، وبعد سماعه من الطلبة عبارات مثل “الرياضيات مادة صعبة”، “أنا لا أحب الرياضيات”، “أكرهها”، “لا تُفهم” وغيرها، كان لا بد من التفكير في طرق تدريس مبتكرة والابتعاد عن الطرق التقليدية المملة للمعلم والطالب معًا.

يقول “كنت مقتنعًا تمامًا بأن الطالب إذا أحب المعلم وطريقة تدريسه، سيتغير موقفه من المادة، ما سيؤثر إيجابيًا على تحصيله الدراسي. لذلك، كان لا بد لي من إيجاد طرق واستراتيجيات وأساليب تعليمية لمحو هذه الفكرة ورفع مستوى التحصيل لدى الطلبة”.

عام واحد فقط كان كفيلا بدفعه لتغيير طرق تدريسه من خلال تجربة أساليب جديدة مثل:

  • الكرسي الساخن، حيث يجلس طالب في المقدمة ويُطرح عليه سؤال لتعزيز التفاعل.
  • المعلم الصغير، حيث يكلف الطلاب بشرح بعض الدروس بأنفسهم.
  • الألعاب التعليمية، لإضفاء المرح على التعلم وتحفيز التفاعل.

   ومع ذلك، كان تأثير هذه الطرق خلال العام الدراسي بسيطًا ولم يحقق الطموح المطلوب، فهدفي لم يكن مجرد تحسين التحصيل الدراسي، بل جعل الطالب يستمتع بحصة الرياضيات ويتفاعل معها بحماس.

   خلال الأعوام اللاحقة، بدأت بتطوير طرق جديدة مثل:

  • التدريس خارج الغرف الصفية، أي شرح بعض الدروس في ساحات المدرسة وربط الدرس بالبيئة المحيطة.
  • استخدام أسلوب الدراما والمسرح من خلال تمثيل مشاهد تعليمية توضح مفاهيم معينة.
  • تصميم مواد تعليمية عبر اللوح التفاعلي باستخدام برنامج Notebook.
  • استراتيجية النمذجة الرقمية، التي تساعد على تقديم الشروحات بطريقة مرئية وتفاعلية.
  • المسابقات اليومية أو شبه اليومية، بحيث تكون في بداية أو نهاية كل حصة لتحفيز الطلاب وإثارة حماسهم. وكان لهذه الطرق تأثيرًا إيجابيًا كبيرًا على الطلبة.

 القيم الحياتية

يسعى لؤي لتحقيق العديد من القيم الحياتية من خلال أساليبه المتميزة في التعليم، وأهمها تنمية القيم الوجدانية. يقول: “حب الطالب للمادة وزيادة رغبته في تعلم الرياضيات من القيم المهمة التي يسعى أي معلم لتحقيقها لدى طلبته. بعض الطلبة يطلبون حصة رياضيات إضافية بدلاً من حصة العلوم أو الاجتماعيات، بل حتى بدلاً من حصة الرياضة! هذا بحد ذاته إنجاز، ناهيك عن رغبة بعض الطلبة في أن يصبحوا معلمي رياضيات في المستقبل.

ومن القيم أيضا العدالة، فمراعاة الفروق الفردية بين الطلبة خلال الحصة يؤدي إلى تحقيق العدالة في التعليم، حيث يصبح الطالب هو محور العملية التعليمية، وأيضا تعزيز الانتماء وحب المدرسة والمحافظة على ممتلكاتها، واحترام الطلبة لبعضهم البعض والتعاون فيما بينهم يظهر خلال الحصص الصفية من خلال التشارك في الحل أو التعاون في ساحة المدرسة، والانضباط التام داخل الحصص الصفية وهذا ناجم عن مراعاة الفروق الفردية وإشغال جميع الطلبة بالحل خلال الحصة، ومن القيم التفكير الإبداعي والسرعة في حل التمارين والمسائل بطريقة صحيحة ومتقنة.

آثار إيجابية

وتركت الأساليب المميزة للمعلم لؤي آثارا إيجابية على الطلبة، ويمكن قياسها من خلال حب الطلبة للمادة ورغبتهم في تعلم الرياضيات بشكل مستمر دون ملل من الحصة، ورغبة بعضهم في أن يصبحوا معلمي رياضيات في المستقبل، وزيادة دافعية الطلبة للتعلم، ما جعل نظام التعليم أكثر تحفيزًا.

وعلى المدرسة أيضا، من خلال تحقيق عدة جوائز لها مثل جائزة المعلم المتميز في تعليم الرياضيات لعام 2022، وكذلك جائزة الإنجاز والتميز لدعم التعليم عام 2020. والأجمل هو رغبة الطلبة في القدوم للمدرسة التي أعمل فيها، ورغبة عدة طلاب في الانتقال إلى الشُعب التي أدرسها.

أما على المجتمع المحلي، فيمكن تلمس تلك الآثار من خلال تواصل الأهالي معه بشكل مستمر لحل مشاكل أطفالهم التعليمية، ومساعدتهم بتقديم النصائح لمساعدة الطلبة على الدراسة بشكل مستقل، وحل أكثر مشكلة متكررة في المدرسة وهي فهم الطالب للمادة داخل الحصة لكنه لا يحصل على علامات مميزة في الامتحانات.

التميز في الأبحاث التربوية

مرت خمس سنوات سريعة، لكنه بدأ يحصد نتاج تعبه واجتهاده. ليأتي يوم 29/9/2019، ويحمل معه أول فوز له في مجال الأبحاث التربوية بجائزة “أبحاث في الرياضيات المدرسية“، بالاشتراك بين وزارة التربية والتعليم العالي والهيئة الفلسطينية للرياضيات “رفاه”.

وبعد تجربته الأولى في مبادرة الإنجاز والتميز لدعم التعليم في فلسطين للعام الدراسي 2016/2017،

-والتي لم تكلل بالنجاح في ذلك الوقت بسبب قلة خبرته في مجال الأبحاث التربوية-، ولأني لا اعرف طريق الاستسلام، قدمت للجائزة ذاته في العام الدراسي 2020/2021، ليفوز بـجائزة صندوق الإنجاز والتميز لدعم التعليم (الدورة الرابعة) ضمن الفئة أ من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية.

   لمع اسم لؤي وبات له مكانة في قائمة المعلمين المميزين، لتتفق المشرفة التربوية الأستاذة نادية جبر (بعد حضورها بعضا من حصصه) مع باقي مشرفي الرياضيات في مديرية نابلس بترشيح اسمه مع عدة معلمين ومعلمات لتمثيل مديرية نابلس لجائزة المعلم المتميز في تعليم الرياضيات (الدورة الأولى) على مستوى وزارة التربية والتعليم الفلسطينية في مجال (طرق التدريس). هذه الجائزة تقوم على ترشيح كل مديرية لعدد معين من المعلمين والمعلمات ممن ترى فيهم أن طرق تدريسهم غير تقليدية. وبعد التأهل للمرحلة النهائية للجائزة، أكرمه الله بالحصول على المركز الأول لهذه الجائزة (جائزة أ.د. وليد ديب للمعلم المتميز في تعليم الرياضيات للعام الدراسي 2021/2022 من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية والهيئة الفلسطينية للرياضيات “رفاه”).

عرف لؤي طريق الجوائز، وعينه على جائزة أفضل معلم على مستوى فلسطين (على جميع التخصصات وليس على الرياضيات فقط). لينال بجدارة (جائزة التعاون للمعلم المتميز: جائزة منير الكالوتي للمعلم المتميز “إبداع معلم … نهضة وطن”) لعام 2022-2023.

إنجازات إضافية

لم يكتف لؤي فقط بتعليم الرياضيات، “بل كانت النقاشات العامة حول التعليم والتعلم، مثل كتابة المقالات، المدونات الإلكترونية، والمشاركة في الفعاليات التعليمية والمؤتمرات، جزءًا مهمًا من حياته كباحث في مجال التعليم، ونشر عدة أبحاث تربوية في مجلات علمية محكمة، بالشراكة مع الزميل الدكتور عبد الرحمن أبو سارة وآخرين.

كما شارك في عدة منتديات للرياضيات وقدم عروضًا لعدة أبحاث في هذه المنتديات، ومن بينها: منتدى الرياضيات السادس عشر في عام 2021، ومنتدى الرياضيات الثامن عشر في عام 2022، بالإضافة إلى مؤتمر تربوي مع جامعة القدس أبو ديس.

بالإضافة لما سبق، شارك بالعضوية في عدة مجالات منها: عضو لجنة الأبحاث في رفاه بالإضافة لعضو للجنة المجلة الفرعية – الشمال (“مجلة دراسات في الرياضيات للمعلمين”)، وكذلك عضو في فريق إعداد دليل PISA على مستوى المديرية للعام 2021-2022م، وكذلك عضو لجنة مبحث على مستوى مديرية التربية والتعليم – نابلس لعدة سنوات (قبل أن يصبح مشرفاً تربوياً)، وإعطاء عدة دورات تدريبية للمعلمين، بالإضافة لتصوير مواقف تعليمية بمادة الرياضيات للصف الحادي عشر عبر فضائية فلسطين التعليمية (تبث عبر الفضائية) لعام 2021/2022م.

ماذا بعد الفوز والتميز؟

   في نهاية عام 2022، انطلقت مبادرة “سفراء المعلم الفلسطيني” بقيادة وإدارة خبير التعليم والتدريب الأستاذ جودت صيصان، الحاصل على عدة جوائز وطنية وعالمية، وتهدف لتعميم تجارب النجاح للمعلمين المتميزين، وعدم اندثارها بعد بضع سنوات من الفوز، وتحويل تجاربهم ومبادراتهم الإبداعية إلى حقائب تدريبية، ليتمكنوا من نقل خبراتهم ومهاراتهم إلى زملائهم المؤمنين برسالتهم وقيمهم ويسعون للتغيير والتطور.

أين أنا الآن؟

“ولأن لكل مجتهد نصيب”، بات لؤي اليوم مشرفًا تربويًا لمادة الرياضيات في مديرية التربية والتعليم في نابلس. يقول “هدفي التعاون مع الجميع لتقديم كل ما يسهم في رقي التعليم وتقدم فلسطين علميًا على مستوى العالم. وأسعى لتحقيق ذلك من خلال مشاركة معرفتي وطرق التدريس التي اكتسبتها، وما أكتسبه باستمرار، بهدف الارتقاء بمستوى التعليم وترك أثر إيجابي في كل حصة دراسية، بإذن الله”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *