عقدت مؤسسة أوربت الدولية، بالشراكة مع مؤسسة الرواد للصحافة والإعلام، ونقابة المحامين الفلسطينيين، ومركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس”، ندوة حوارية حول “الواقع الحقوقي والقانوني في السجون الاسرائيلية ومسؤوليات المؤسسات الحقوقية”.
وفي بداية الندوة التي عقدت عبر تطبيق “زوم”، استهل ميسّر الندوة د. سهيل خلف، مدير مؤسسة الرواد للصحافة والإعلام، حديثه بالإشارة إلى ما يعانيه الأسرى في سجون الاحتلال من ظروف قاسية وصعبة، لا سيما بعد السابع من أكتوبر لعام 2023.
وفي كلمة لها، أشارت شهد العواودة، المحامية الدولية والمستشارة القانونية في مؤسسة أوربت الدولية ومقرها لندن، إلى أن الندوة تأتي على هامش يوم الأسير الفلسطيني الذي جاء هذا العام والأسرى يعيشون ظروفا استثنائية وقاسية أمام صمت العالم الذي يغلق عينيه عن جريمة الإبادة الجماعية في غزة وجرائم الاحتلال بحق الأسرى، ولا بد من أن يكون للمدافعين عن الحريات والحقوق الإنسانية وقفة جادة للحق والعدالة.
ونوهت العواودة إلى تقارير لمؤسسات دولية وأممية أوردت معلومات صادمة وتفاصيل مروعة عن ظروف الأسرى الذين يقتلون في السجون الإسرائيلية دون حسيب او رقيب، ويجوعون حتى الموت.
ولفتت إلى أن مؤسسات حقوقية اسرائيلية أوردت تفاصيل مريرة عن أوضاع الأسرى، خاصة من أبناء قطاع غزة، وما يواجهونه من تعذيب وانتهاك للحرمات والضرب والتنكيل واحراق الأجساد بالأحماض والتي باتت من الممارسات الشائعة في السجون.
ودعت لالتقاط رسالة المؤسسات الرسمية الفلسطينية ونادي الأسير الذي أطلق صرخة مدوية للعمل على كشف ما يمر به الأسرى، والوقوف وقفة للحق والضمير، وتوجيه رسالة للإنسانية نحو رفع الصوت عاليا لبعث الروح في قضية الأسرى والدفاع عنهم عبر التحرك القانوني عربيا ودوليا ومحليا لوقف جرائم الاحتلال بحقهم، ولكشف الواقع الصحي والنفسي الذي خلفته ممارسات الاحتلال بحق الأسرى وعائلاتهم.
وشددت العواودة على أن الإنسانية كلها بخطر شديد إذا لم تتحرك لوقف ما يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال.
من جانبه، استعرض مظفر ذوقان، مدير نادي الاسير بنابلس، واقع الأسرى في السجون الإسرائيلية، مبينا أن الحركة الأسيرة تمر منذ 7 أكتوبر بمرحلة استثنائية في تاريخها، معتبرا ان ما قبل هذا التاريخ مختلف عما بعده، ففي كل المحطات التي مرت بها الحركة الأسيرة لم تصل أوضاع الأسرى إلى ما هي عليه اليوم.
ولفت ذوقان إلى أنه في السابق كانت حوادث اعتداء السجانين على الأسرى التي ينتج عنها إصابات، حوادث فردية تقع مرة كل عدة أشهر، لكن الآن أصبح سلوكا يوميا واغلب الأسرى يتعرضون للضرب خاصة أسرى غزة الذين يتعرضون لمختلف صنوف التعذيب بما فيها الاغتصاب.
وأضاف أن حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل حولت حياة الأسرى إلى جحيم، وان وزير الأمن القومي المتطرف ايتمار بن غفير بادر قبل 7 أكتوبر لعدد من الخطوات ضد الأسرى، بما فيها التلاعب بالطعام ونوعيته وكميته.
وأكد أن الأسرى يتعرضون لسياسة تجويع ممنهجة، مشيرا إلى أنهم ينوون الصيام كل يوم ويجمعون 3 وجبات ليتناولوها عند المغرب حتى يُشعروا أنفسهم بالشبع.
وتحدث ذوقان عن الأثر الذي تركته سياسات إدارة السجون بحق الأسرى، لافتا إلى أن الأسير يدخل السجن بحال ويخرج بحال مختلف، وأن الأسرى يعانون من الاكتظاظ داخل الغرف، ويضطر كثيرون منهم للنوم بلا فراش، فضلا عن القيود المشددة على الاستحمام.
وأكد ان أوضاع الأسيرات ليس بأقل سوءا من حال بقية الأسرى.
وأشار إلى أن الاحتلال يستخدم الملف الطبي ضد الأسرى، وتتعمد إدارة السجون نقل الأسرى المرضى بالجرب إلى غرف الأصحاء حتى تنتشر العدوى بينهم.
وقال إن انتهاكات الاحتلال تسببت باستشهاد 66 اسيرا منذ 7 أكتوبر، عدد كبير منهم ارتقوا نتيجة الإهمال الطبي، مبينا ان الأسرى يعيشون كما يعيش أهالي غزة تحت العدوان والابادة، وهي إبادة صامتة ومستمرة.
وأوضح أن الاحتلال اعتبر أسرى غزة “مقاتلين غير شرعيين” لتجريدهم من أي حقوق يكفلها لهم القانون، حيث يتعرضون لأبشع أشكال التعذيب في معسكر “سديه تيمان” وغيره من السجون.
اما د. عمر رحال، مدير مركز “شمس” فتناول دور المؤسسات في الدفاع عن الأسرى وحمايتهم، مشيرا إلى أن المؤسسات الحقوقية كان لها دور مهم في العمل على المستوى المحلي والاقليمي والدولي، وكثير من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية التي تتمتع بصفة العضوية الاستشارية في المجلس الاقتصادي الاجتماعي التابع للأمم المتحدة كان لها مساهمات في كل دورة من الدورات الثلاث للمجلس.
وأضاف أن هناك حضورا مهما للمؤسسات الفلسطينية في مجلس حقوق الانسان وفي الندوات والمحاضرات واللقاءات مع المقررين الخواص للأمم المتحدة، ولقاءات على مستويات رفيعة مع برلمانيين في بروكسيل ومع الصليب الأحمر.
وأوضح رحال أن جذر الموضوع سياسي وليس مرتبطا فقط باتفاقية جنيف الثالثة التي تتعلق بالأسرى او الرابعة المتعلقة بحقوق المدنيين الواقعين تحت الاحتلال، إذا أن غالبية الأسرى من المدنيين.
وأضاف أن كثيرا من دول العالم لا تريد ان تسمع او أي حراك في موضوع الأسرى، وهناك تلكؤ من جانبها، لكن بالمقابل هناك حضور وانشطة وعمل دؤوب في المناصرة.
وتحدث رحال عن زيارات الأسرى التي لم تعد متاحة للمؤسسات الحقوقية كما كانت في السابق، لكن على المستوى الدولي هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقها؛ سواء في التوثيق او العمل على مستوى الجنائية الدولية او العمل مع المنظمات الإقليمية والدولية بما يخص العمل على القرار الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية، لافتا إلى أن 4 مؤسسات حقوقية فلسطينية كان لها دور بارز في انجاز الملف الذي رفعته جنوب افريقيا في محكمة العدل الدولية.
واعتبر رحال أنه مع ذلك، لا زالت جهود المؤسسات في إطار “الفزعة”، وما زالت بحدها الأدنى ويغلب عليها الطابع الفردي، في حين أن موضوع الأسرى يجب ان يكون ضمن استراتيجية وطنية، خاصة وان هذا الملف عليه اجماع فلسطيني.
وأقر بوجود تقصير في نشر الرواية الفلسطينية على المستوى الدولي.
بدوره، قال فادي عباس، نقيب المحامين إنه كانت هناك إنجازات لمختلف المؤسسات الحقوقية، الا انها جميعا لا تعمل وفق استراتيجية ورؤيا موحدة، مبينا أنه كانت هناك محاولات من نقابة المحامين للإسهام في ابراز القضايا الحيوية للشعب الفلسطيني في ظل حرب الإبادة، بما في ذلك ما يتعرض له الأسرى في السجون.
وأضاف أن الإجراءات التي فرضها بن غفير ضد الأسرى نقلت أوضاع الأسرى من سيئ إلى أسوأ، الأمر الذي وضع على نقابة المحامين وبقية المؤسسات الحقوقية عبئا كبيرا لان جزءا من دور النقابة يتمثل في الانتصار لحقوق شعبها الفلسطيني في سياق انحياز المحامي المطلق لسيادة القانون.
وأكد على الحاجة الملحة لبناء استراتيجية موحدة في سياق المناصرة الحقوقية بشكل منظم اتجاه القضايا الحيوية، وعلى رأسها قضية الأسرى، معتبرا ان المناصرة الحقوقية هي واجب والتزام أخلاقي على الكل الفلسطيني ومؤسساته ومن ضمنها نقابة المحامين.
وأضاف أن المطلوب من الكل الفلسطيني ومؤسساته الحقوقية، بما فيها نقابة المحامين، ان يثابروا على العمل في المناصرة الحقوقية، لان قضية الأسرى مست كل بيت فلسطيني.
وأكد انفتاح نقابة المحامين للتشبيك وبناء أواصر العلاقة المهنية الحقوقية الوطنية مع كافة المؤسسات الحقوقية، مذكرا بأنه كانت لها شراكات في قضايا الأسرى وأصدرت بيانات لكل دول العالم والمؤسسات الحقوقية في العالم.
أما المحامي والناشط الحقوقي فارس أبو حسن فتحدث عن آليات تعزيز الدفاع عن الأسرى أمام التغول إسرائيل التي تنتهك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العام وكل المعاهدات الدولية في معاملتها للأسرى وتمنع الصليب الأحمر من الاطلاع على أوضاع الأسرى.
وتساءل أبو حسن عن دور السفارات الفلسطينية لشرح معاناة الأسرى وعقد لقاءات بين أسرى محررين مع مؤسسات وشخصيات بالعالم لفتح الافاق القانونية والقضائية وأخذ توكيلات منهم لرفع قضايا امام المحاكم في مختلف دول العالم التي يمكن ان تتعاون.
وشدد أبو حسن على ان موضوع الأسرى بحاجة لحملة وطنية يساهم فيها الجميع بأوراق عمل خارج النمط المألوف لنصرة الأسرى، خاصة وأن هذه القضية لا تخص الأسرى وحدهم، بل هي قضية وطنية جامعة يجب ان يلتقي عليها الجميع.
وأكد على الحاجة الماسة لتدريب اعداد كافية من المحامين الفلسطينيين ليكونوا قادرين على بناء قضايا تنظر أمام المحاكم الدولية.