أن تتفوق في الفرع العلمي في الثانوية العامة بمعدل يفوق 98% هذا يعني أن أمامك خيارين حسب النظرة التقليدية، الطب أو الهندسة، هكذا كان الحال وهذا ما يمضي عليه الطلبة، ربما السبب الرئيسي لذلك هو المعدل المرتفع الذي تتطلبه هذه التخصصات، بينما قد يكون إتباع شغفك بدراسة اللغة العربية وأنت حاصل على معدل 98.6 في الفرع العلمي، أمرٌ قد يقلل منه البعض، ولا يجرؤ عليه.  

 

ما أن صدرت نتائج امتحان الثانوية العامة، ركب الطالب سَري دار يوسف الطائرة نحو الأراضي التركية، ليكون خياره دراسة الطب، خيارٌ لم يكن يوماً شغفاً أو حلماً لسري، إنما كان رغبة من الأهل والمجتمع. فبعد صدور نتائج الثانوية العامة، مضى سَري في رحلته لتحقيق الحلم الذي لم يكن يوماً حلمه الحقيقي وبدأ في تعلم اللغة التركية وشق طريقه لدراسة الطب، ومع مرور الأيام أدرك سري أن “هذا ليس مكاني، أنا لا أريد أن أكون هنا” ربما يتأثر الطلبة برغبة الأهل بعد إنهاء الثانوية العامة منهم من يمضي على رغبة الأهل والمجتمع ومنهم من يقف في نصف الطريق ليتشبث بشغفه ورغبته ويختار الطريق التي حَلمُ أن يخوضها.

 

لم يكن سَري يوماً من أصحاب الصنف الأول لطالما اختار طريقه التي يريدها وخاض غمارها ليصل لما يريد، ليقرر بعد مضي العام الأول العودة لشغفه وحلمه الذي لطالما حلم به، يقول سري: “بعد عامٍ واحد، تركتُ تلك البلاد وتبِعتُ شغفي، وأعادني طائر الشوق إلى جامعة بيرزيت، لدراسة اللغة العربية وآدابها. كان قراراً جريئاً، ولم ألقَ ترحيباً من أحدٍ حينَ عودتي، فالأحبّةُ منقسمون ما بين مُشفِقٍ ومُعاتِب”، جمع سَري حقائبه وحمل أعباء قراره على كتفه، ذلك القرار الذي لم يرضِ أحداً ولم يجد فيه من يدعمه، ذلك القرار الذي رفضه المجتمع كله من كان له شأن ومن لم يكن، ذلك القرار الذي حاول كل من تجمعه علاقة مع سَري أن يثنيه عنه، إلا أن كل المحاولات تحطمت على أسوار حلم سَري وشغفه.

 

عاد سَري لأرض الوطن واختار جامعة بيرزيت، ليشق طريقه نحو حلمه متبعاً شغفه ورغبته الجامحة بدراسة تخصص اللغة العربية، لم تكن الأيام الأولى بتلك السهولة، أن تحمل عبء قرارٍ كهذا وحدك وأن تختار طريقك التي تريد أن تمضي بها، محارب لرغبة من حولك، إلا أن الداعم الوحيد لقرار سَري كان أساتذة اللغة العربية في جامعة بيرزيت، الذين وعدوه أنه لن يندم أبداً على هذا القرار.

 

مضت الأيام ومضى معها سَري في تحقيق الحلم، ولأن إتباع الشغف ودراسة ما تحب يعني أنك ستبدع لا محال، استطاع سَري إنهاء متطلبات التخرج من دائرة اللغة العربية بعد ثلاثة أعوامٍ على الرغم من أن خطة المساقات في الدائرة موزعة على أربعة أعوام، ولم يكتف بذلك فقط ليكمل نجاحه وتميزه ويتخرج بتقدير “امتياز عالٍ” وتجربةٍ وصفها أنها استطاعت أن تغير فلسفته في الحياة ” كانت هذه السنوات من أجملِ أيام العمر. نظرتي للحياة تغيرت، وفلسفتي في العيش انقلبت قلباً. تعلمتُ ألا أحتقر علماً من العلوم، وألا أقلّل من شأن أحد، وعلمتُ أن نهضة الأمة لا تكون إلا على أساسٍ متينٍ من المعرفة، ولا تموتُ الأمة التي ترعى لغَتَها، وتتمسّك بتاريخها.”

 

لم تنتهِ حكاية سَري عند هذا الحد، استطاع بتفوقه أن يمهد طريقه لإكمال مسيرته في اتباع شغفه، وحصل على منحة لدراسة الماجستير في برنامج اللسانيات والمعجميّة العربية في معهد الدوحة في قطر، ليعاود المضي في رحلة تحقيق الحلم، وينسج بذلك قصة مفادها أن النجاح والتميز لا يتعلق في المعدل الأكاديمي وإتباع شغفك واختيارك لما تحب هو الطريق الأقرب للإبداع والتميز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *