على بعد أمتارٍ من مفترق باب العامود في القدس المحتلة، تحمي عائلة الجبريني منذ 150 سنة، إرثًا تاريخيًا لمعصرة سمسم عمرها يزيد عن 250 سنة، تُقدم الطحينية بجميع أشكالها.
يعمل اسحق الجبريني في المعصرة منذ سنوات، يقول: “والدي اشتغل هون من عمر 8 سنين حتى عمر 108 سنوات، بعدها احنا استلمناها وورثناها عنه”.
وتعمل المعصرة على الطريقة التقليدية القديمة، حيث يوضع السمسم في الملح لمدة 8 ساعات، وينشر بعدها لتبدأ عملية فصل السمسم عن القشر وغسله بالماء والملح، ومن ثم إعادة غسله بالماء الحلو عدة مرات، حتى تنشيفه ووضعه داخل الفرن تمهيدًا لعصره.
يتبع ذلك تحميص السمسم ثم طحنه على “الحجار البلدية”، وهي حجارٌ بركانية عمرها من عمر المعصرة، أي أكثر من قرنين ونصف من الزمن، وقد كانت تُنقل في القدس العتيقة على الجمال والحمير، وفق الجبريني.
بعد عصر السمسم تتشكل الطحينة السائلة بجميع أنواعها، وتباع بعلبٍ تسكب أمام الزائرين الوافدين للمعصرة.
يُضيف الجبريني، “نحن نعمل بأربعة أنواع طحينة بالسمسم، تصنع بطرق مختلفة، كالطحينة البيضاء، والتي تحمص عن طريق الماء من دون نار، والطحينة الحمراء التي تصنع داخل الفرن 10 ساعات متواصلة على نار هادئة”.
ويُبين أن هناك نوعًا آخر من الطحينية يُصنع بالسمسم داخل المعصرة، ويُطلق عليها الفلسطينيون “الطحينة بقشرها”، إضافة لطحينة “القزحة” التي تكون قليلة الزيت.
يُقدم السمسم بعد طحنه وتجهيزه للزبائن بأشكال وألوان مختلفة، فالطحينة الحمراء مثلاً تستخدم في “السيرج والكسبة”، وهي من الأكل الشعبي الفلسطيني، تُصنع بواسطة السمسم بعد طحنه، وهي من العادات الغذائية الثابتة لدى عائلات القدس، خاصة في فصل الشتاء.
يُبين الجبريني، أن لعصر السمسم وطحنه فوائد جسدية وصحية كبيرة توارثتها العائلات الفلسطينية منذ القدم، إذ يُعتقد أن “الطحينة بقشرها” مفيدةٌ لفقر الدم ونقص الكالسيوم. فيما يُعتقد أن “القزحة” التي تُسمى أيضًا “حبة بركة” تقي من الأمراض والفايروسات وتقوي جهاز المناعة.
ولا يقتصر عمل معصرة الجبريني على إنتاج الطحينة، فهي تُنتج من السمسم، “الحلاوة”، و”السمسمية” التي تتشكل من الجليكوز ودبس العنب.
وأصبحت معصرة الجبريني بسبب عمرها الطويل تراثًا فلسطينيًا في القدس، وحاضنة للسياحة، سيما المدارس والمؤسسات التعليمية الفلسطينية والأجنبية التي تنظم جولات داخل المعصرة للتعرف على طريقة صناعة الطحينية.
وتواجه معاصر السمسم في البلدة القديمة معوقات وصعوبات مثل نقل السمسم وتحميله داخل أسوار القدس، وإخراجه إلى الزبائن بسبب تشديدات الاحتلال، إضافة لصعوبة نقله لعدم قدرة المركبات الدخول الى البلدة القديمة.
يقول الجبريني: “المعوقات كبيرة، الزبائن ما بقدروا يجوا يشتروا من عنا لإنه ما في مكان يصفوا سياراتهم فيه، ولغلاء أسعار مواقف السيارات في القدس وبُعدها عنا”.
وتُضيق بلدية الاحتلال على المعصرة بإجراءاتٍ أخرى متعددة أبرزها الضرائب، فضريبة الأرنونا تصل إلى 18 ألف شيكل سنويًا، ما يُجبر عائلة الجبريني على اقتطاع 1500 شيكل شهريًا لدفع هذه الضريبة. يُضاف لذلك ضريبة تفرضها البلدية تتراوح من 6 إلى 8 آلاف شيكل كل شهرين، و90 ألف شيكل تدفعها العائلة سنويًا وتُسمى “الفروقات”.
يري الجبريني أن هذه الإجراءات تهدف لترحيلهم عن البلدة القديمة، ويضيف، “بدهم يرحلونا بس احنا صامدين. هذه ضريبة العيش في القدس. الي بده يعيش ويصمد لازم يتحمل”.
يُذكر أن في القدس معصرتان فقط للسمسم، إحداهما هي المعصرة الأقدم التي تُديرها عائلة الجبريني في عقبة الشيخ ريحان في حارة السعدية، ومعصرة الصالحي في باب السلسلة على بعد أمتار من المسجد الأقصى، وهي تعاني ظروفًا صعبة مشابهة لهذه التي تعانيها معصرة الجبريني