ما بين الشعر العربي وفن التطريز اليدوي الفلسطيني والخط العربي الكوفي، نشأ مشروع “لمسة أمي” التعاوني، الذي يقوده الفنان الفلسطيني فائق عويس بهدف تمكين النساء اقتصاديًا، فضلًا عن الحفاظ على فن التطريز والتراث.

 

انطلقت فكرة المشروع في صيف عام 2008 أثناء زيارة عويس لفلسطين حين أحضر معه جدارية مطرزة “أنا من هناك، أنا من هنا” لإهدائها للشاعر محمود درويش الذي أحبه وتعلق بشعره، وتوفي بعد مدة قصيرة من لقائهما.

 

قرر عويس حينها العمل على مشروع فني يخلد كلمات الشاعر درويش، فبدأ بمشروع “معلقات درويش” من خلال تصميم لوحات بالخط الكوفي وتنفيذها بالتطريز اليدوي، وعلى إثره عمل على تأسيس مركز “لمسة أمي”.

 

فائق صالح عويس من مواليد بلدة دير دبوان الواقعة شرق مدينة رام الله، وهو فنان وباحث ومتخصص في مجال التعريب، ومن أكبر الداعمين والمشجعين على استخدام اللغة العربية على الإنترنت، وإثراء المحتوى الرقمي عالميًّا. 

 

درس عويس في مدارس بلدته مرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، وسافر إلى أمريكا في أوائل الثمانينات ودرس في جامعة سان فرانسيسكو، وكان من نشطاء الجالية العربية والفلسطينية لأكثر من 25 عامًا.

 

في المجال الفني، يقول عويس: “أعمل على تصميم لوحات فنية مستوحاة من الخط العربي، وأقمت العديد من المعارض الفنية في أمريكا وفلسطين ودبي، ومن هذه المعارض معرض معلقات درويش في متحف محمود درويش في رام الله والذي مثَّل بداية فكرة مشروع لمسة أمي”.

 

ويُجسِّد عويس من خلال المشروع قصائد محمود درويش، ومن الشعر الصوفي كذلك لوحات فنية وقطع مطرزة بالحرير، بهدف إحياء ذكرى والدته التي ربَّته وعلمته حب التطريز، ويشارك في المشروع ما يقارب 40 امرأة من المخيمات الفلسطينية والمناطق المهمشة.

 

ويبيّن أنه يرسم تصاميم الخط الكوفي وتتولى السيدات مهمة التطريز، فيما يذهب ريع المشروع لهن بالكامل. 

 

وعن سبب تسمية المشروع بـ”لمسة أمي” يقول: “كان لعمل أمي في التطريز تأثير كبير على حياتي وإلهامي فنيًا، فقررت أن أقوم بتنفيذ المعلقات بالتطريز اليدوي عبر سيدات في مخيمات الشتات، مستلهمًا من كلمات محمود درويش: أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي”. 

 

ويضيف عويس أن المشروع يحقق عدة أهداف، منها -إضافة إلى ما سبق-: “الحفاظ على فن التطريز والتراث الفلسطيني من الضياع من خلال أعمال خيرية وتعاونية، وخلق فرص عمل لتمكين النساء، وخاصة الأمهات في المخيمات والمناطق المهمشة”.

 

ويشير إلى أنه استطاع أن يبدع في تصاميم فريدة من نوعها تجمع بين الخط العربي وفن التطريز اليدوي والشعر العربي لكبار الشعراء، “فالمشروع هو الأول من نوعه الذي يجمع بين هذه الفنون، ويوفر قطعًا فنية متنوعة وغنية بالمحتوى، حيث تشمل اللوحات آيات من القرآن الكريم، وأشعارًا صوفية، وأبياتًا مختارة للعديد من الشعراء”.

 

وذكر أنه تم إنتاج أكثر من خمسمئة قطعة مطرزة من أوشحة وعبايات ومعلقات وأغطية ووسائد وغيرها.

 

ففي إحدى اللوحات يمكن رؤية عمل يجمع بين الخط الكوفي والتطريز الفلسطيني، ورسومات تقليدية بالتطريز الفلسطيني يتخللها كلمات: “أنا من هناك ولي ذكريات”.

 

أما آلية عمل التصاميم فيقول عويس إنه بعد تجهيزها باستخدام أدوات وبرامج كمبيوتر ومجموعة الحروف التي رسمها وجمعها منذ أكثر من خمسة عشر عامًا يقوم بإرسالها إما بملف رقمي وإما مطبوعًا إلى السيدات وهن يتكفّلن بعملية التطريز.

 

وكان لا بد من مكان لعرض هذه المنتجات، فقرر عويس ترميم بيت جده المشيد منذ عام 1923 وهو البيت الذي ولد فيه أيضًا، ليكون مقرًا لمشروع “لمسة أمي” وليحتوي أيضًا على مقتنيات العائلة التراثية ومنها أثواب والدته التي طرزتها بيديها.

 

ويبيّن أن القطع واللوحات الفنية التي تباع من خلال موقع المشروع على شبكة الإنترنت ومشاركته في معارض داخل فلسطين وخارجها يعود ريعها لإنجاز أعمال تطريز أخرى وتشغيل السيدات. وكذلك تم تخصيص جزء من ريع المشروع لدعم منح جامعية لدراسة الماجستير لطالبات من بلدة دير دبوان في رام الله.

 

ويطمح عويس في الاستمرار والنمو خارج فلسطين والإسهام في دعم السيدات في أي مكان. كما يخطط لتوسيع مقتنيات البيت التراثية والعمل مع المختصين لتوثيقها ونشرها في كتاب يكون متوفرًا للزوار.

 

ويأمل أن يحظى بدعم أكبر من أهل البلدة من خلال المشاركة في نشاطات المركز وزيارته والاستمتاع بمقتنياته ودعمه بشراء المنتجات ليستمر في تقديم خدماته. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *