صناعة الفحم مهنة شاقة ومتعبة، يتوارثها الفلسطينيون خاصة في شمال الضفة الغربية منذ قرون، لكنها هذه الأيام تقتصر على بلدة يعبد جنوب غرب مدينة جنين والقرى المحيطة بها خاصة قرية زبدة التي لا يزيد عدد سكانها على ألف ومائتي نسمة.

 ويقول أصحاب ورشات الفحم (المشاحر) كيف بدأت هذه الصناعة منذ خمسة قرون؟ وكيف تم تطويرها لتنافس الفحم المستورد من دول الجوار؟ وما هي الصعوبات التي تواجههم؟

 الصورة التي لا يمكن للزائر إلا أن يرسمها هي حجم المتاعب التي يتحملها العاملون في هذه الصناعة، مقابل مردود زهيد، لكنه على أية حال يغنيهم عن العمل في إسرائيل وتوفير قوت عيالهم كما قالوا.

في قرية زبدة يشتغل غالبية السكان في صناعة الفحم، وبما أن مصادر الحطب في الأراضي الفلسطينية شحيحة –ربما لأن المفاحم قضت عليها في أعوام سابقة- يعتمد السكان على الأخشاب المستوردة من إسرائيل.

 وقال رئيس مجلس محلي للقرية صالح جميل عمارنة إن صناعة الفحم في البلدة قديمة جدا، لكن في بداية الثمانينيات تزايدت وتم تطويرها لتكون مجدية أكثر، موضحا أن هناك مئات المستفيدين من هذه الصناعة من يعبد وقراها.

 وقدّر عمارنة عدد المشاحر (ورشات صناعة الفحم) في بلدتي يعبد وزبدة بأكثر من أربعمائة يستخدم فيها بشكل أساسي خشب الحمضيات والأبوغادو، مشيرا إلى أن أجود أنواع الفحم هو المستخلص من الحمضيات.

 وأشار إلى أن 60% من الإنتاج يذهب إلى السوق الإسرائيلية، فيما يوزع الباقي في السوق الفلسطينية في الضفة، مقابل 90% كان يذهب للسوق الإسرائيلية قبل الحصار والجدار الذي رفع تكلفة النقل والإنتاج وقلل نسبة الأرباح.

 بدوره يقول أحمد العبادي-وهو صاحب مشحرة للفحم- إنه يعمل في هذه المهنة منذ عام 1982، وإن أجداده توارثوا هذه الصناعة منذ خمسمائة عام، والآن يعيل من ورائها عشر عائلات.

وفي شرحه لكيفية صناعة الفحم قال: يُرَتب الحطب بطريقة هندسية على شكل هرم ويوضع فوقه القش ثم التراب ويرطب بالماء، ويترك في أعلاه فوهة صغيرة يوضع بها القش الذي توقد فيه النار، ثم يغلق بالتراب لـ 15 يوما.

وأضاف: خلال هذه الفترة تنتشر النار تدريجيا في الحطب ويتصاعد منه الدخان، وتتم متابعة الهرم وإضافة الحطب إليه كلما تشكلت الحفر فيه ويسمى (التطعيم)، وبعد توقف الدخان عن الصعود يكون قد تحول الحطب إلى فحم.

 وأوضح أن أصحاب المهنة القدامى كانوا يطفئون الفحم بالماء وينتظرون عدة أيام قبل كشفه وهو ما تفعله بعض الدول حتى الآن، لكن العاملين في هذه المهنة الآن يقومون بوضع الماء على التراب وترطيبه ثم إغلاقه تماما بالبلاستيك لعدة ساعات حتى ينطفئ ويستخرج الفحم بوزن أقل بالثلث عن نظيره المطفأ بالماء.

 أرباح زهيدة

أسامة يوسف -صاحب مشحرة أيضا- يوضح أنه يعمل في الفحم منذ أن منع من تصريح العمل في إسرائيل قبل عدة سنوات، نافيا أن يكون لصناعتهم أضرار على البيئة وتهديد للأشجار الحرجية لأن الحطب مستورد من إسرائيل.

 وأوضح أن حجم المشاحر متفاوت، فمثلا هناك مشاحر يستخدم بها خمسون طنا من الحطب وتنتج عشرة أطنان من الفحم، وباحتساب تكلفة الحطب مع سعر الفحم فإن الأرباح لا تتجاوز أجرة عادية لعامل بسيط، لكنها أفضل من المطاردة والمخاطرة للعمل في إسرائيل.

 كذلك أكد محمد عبادي، أن السكان المحليين يعتمدون على صناعة الفحم في توفير لقمة العيش، مشيرا إلى صعوبات في تسويق الفحم ونقله نظرا لإجراءات الاحتلال المشددة على القرى والمدن الفلسطينية ومنافسة الفحم المستورد رغم أنه أقل جودة.

 وفي ذات السياق يؤكد أبو محمد أنه يعمل في صناعة الفحم منذ 12 عاما والآن يعيل من وراء هذه الصناعة 15 فردا، موضحا أن موسم العمل عادة يقتصر على الصيف.

 لكن الشكوى التي تكررت تقريبا على ألسنة الجميع هي المعاناة التي يلاقونها من إجراءات سلطات الاحتلال الإسرائيلي إضافة إلى ارتفاع تكلفة الحطب والقش والمياه مما يعني تراجع الأرباح.

المصدر : الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *