بعبقٍ تراثي بين أكوام الخشب المتنوع المتناثرة على الأرض المفروشة بالنجارة، تبصر عالماً من طراز خشبي خاص، صانعه ذو العقود الثمانية الذي لا تفارقه ابتسامته.

 

هناك حيث منجرة الحاج وليد خضير (أبو خالد) القديمة  التي يحترف فيها صناعة القباقيب الخشبية وغيرها من منتوجات خشبية، بمنطقة باب البوابة أحد بوابات نابلس الشرقية.

 

وبينما يستمتع العمّ “أبو خالد” بقص الخشب في دقة متناهية واتقانٍ واضح، وفي أجواء تطاير نجارة الخشب  وذراته على وجهه  بدأ يسرد لنا تاريخ مهنة صناعة القباقيب الخشبية .

 

يرجع “خضير” إلى تفاصيل بداية هذه المهنة التي تعود لما يزيد عن 70 عاماً قائلًا: “شاهدنا الآباء القديمة يتقنونها ومع الأيام، وبعد رحيلهم عن دنيانا باتت مهنتنا نعتاش منها دون تعب أو ملل”.

 

وتختص نابلس بصناعة القباقيب الخشبية، ويقول خضير “وأنا الوحيد من ينتجها الآن بالمدينة”.

 

وبين تلال الخشب المتراكمة في المنجرة يُشير إلى أن أفضل الأنواع لهذه الصناعة، وهي أخشاب شجرة الصنوبر.

 

وأوضح أنهم يشترونها ويقصونها على هيئة “قرطات”، ويقومون بتشريحها، وتعليم الرسم الخاص تهيئة للقطع، والقص الخاص، ومن ثم تنعيمها، وتركيب الجلود الزاهية الملونة.

 

يمسك الحاج “خضير” الخشب  بيديه اللتين فيهما من الرفق ما فيها رغم خشونة الحياة، يغرس المنشار المعدني الكهربائي، وبأصوات تستطيع وصفها بِمسيمفونية صناعة التراث الخشبي، تهوي ذرات الخشب في كل المنجرة.

 

ثم يكمل مهمته بتنعيم الخشب، والاعتناء بتفاصيله الدقيقة بواسطة شريحة “البرداخ” ليصبح كما لو أنه سطح أملس من شدة نعومته.

 

وما أن يجهز الخشب  يعمد إلى قص وتركيب ما يسميه الجلدة الملونة أو السوداء على حد سواء وتثبيتها بالمسامير المعدنية الدقيقة، ليتشكل بعدها شكل القبقاب الخشبي ويكون جاهزاً لبيعه للزبائن. 

 

الحاج “أبو خالد” الذي أمضى أكثر من نصف عمره في هذه المهنة،  يعود بنا إلى ذكريات هذه القباقيب التي ما كان بيت عادي في المدينة يخلو من خمسة أو ستة منها.

 

ويشير إلى أنها كانت تستخدم للاستحمام في بيت الخلاء لأنه يبعد النجاسات، وفي مراحيض المساجد، بل والحمامات الشامية التي تستخدمه حتى وقتنا الحالي.

 

وأما عن رواج هذه القباقيب وطلب الزبائن لها، فيُعرب “خضير” عن حزنه وقلقه على مصيرها خاشياً عليها من الانقراض والاندثار.

 

وأورد أن أحدهم إن أراد أن يحصل عليها ما هو إلا للتباهي بها، أو لأغراض تراثية .

 

وبات محل “خضير” الصغير المكتظ بالأخشاب والأدوات الخشبية المندثرة قبلة وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية التي تؤم منجرته، ولا يبدي تبرماً  من زياراتهم التي لا تدر دخلاً عليه .

المصدر : موقع سند

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *