في الطريق إلى حانوته بالقدس القديمة، على المار أن يجتاز عدة أزقة وعقبات وأسواق، فإذا كان قادماً من باب العامود فعليه أن يمر على الأقل بسوقي خان الزيت والعطّارين ثم ينعطف يسارا باتجاه سوق الخواجات الذي أغلقت معظم محاله أبوابها، حتى يصل إلى الحانوت الذي تكدست فيه نحاسيات متعددة الأشكال والأحجام والأعمار.

 

رحلة المسير  تمتزج  فيها رائحة الأمطار مع عبق روائح البلدة القديمة المنبعثة من حوانيت المخلل والتوابل والفلافل والكعك المقدسي والزعتر وغيرها، وبمجرد الوصول إلى حانوت محمد عبد الجواد -النحّاس الأخير في البلدة القديمة- اختفت كافة الروائح وطغت رائحة آلاف القطع النحاسية المتراكمة منذ عشرين عاما.

 

وُلد عبد الجواد عام 1970 في عقبة المفتي بالبلدة القديمة، وهو يعيش حاليا في حارة السعدية بالبلدة العتيقة أيضا، ترعرع وكبُر وهو يراقب والده يصنّع قطعا نحاسية جديدة ويرمم ويلمّع القطع القديمة في منزله الذي كان مقصدا لكافة سكان المدينة داخل السور التاريخي وخارجه.

 

وبعد وفاة والده، قرر محمد استئجار حانوت في سوق الخواجات وشرع بالعمل فيه منذ تسعينيات القرن الماضي، رغم أن نجم هذه الحرفة بدأ بالأفول مع ظهور أواني البلاستيك والألمنيوم والزجاج.

 

يقول محمد “كان سكان القدس قديما يستخدمون الأواني النحاسية فقط في الطبخ وتناول الطعام والوضوء وشرب الماء، وكانت كافة المنازل تعتمد على البابور النحاسي (موقد الطبخ) وكان تصليحه مصدر رزق لنا”.

 

ومع ظهور المكيفات ومدافئ الغاز والحطب والكهرباء، استغنى المقدسيون تدريجيا عن البابور، وكان لزاما على النحّاس المقدسي تصنيع القطع النحاسية من الألف إلى الياء، وأبرز ما صنعته أنامله خلال عشرين عاما كان: الأهلة النحاسية التي تعلو مآذن المساجد، وأواني النحاس التي تستخدم في قلي الفلافل، وقوالب المعمول، بالإضافة إلى سخّانات المياه وأباريق السحلب النحاسية.

 

وبالإضافة لذلك، ما زال عبد الجواد يستقبل قاصديه ممن قرروا عدم الاستغناء عن أسلوب الحياة التقليدي، ويتوجهون له لترميم وتلميع قطعهم النحاسية من وقت لآخر.

 

لم يتوقف شغفه عند تصنيع النحاسيات ونقشها وترميم القديم منها، بل تطور لاقتناء القطع النحاسية القديمة، حيث يتوجه إلى مدن الضفة الغربية كالخليل وبيت لحم ونابلس وجنين وطولكرم لشراء قطع يصل عمر بعضها إلى مئة عام.

 

المصدر : الجزيرة نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *