يترقب آلاف الآباء والأمهات في فلسطين حسم موعد استئناف الدراسة في المدارس الفلسطينية ومنح المعلمين حقوقهم الوظيفية ووقف سلسلة الإضرابات المطلبية التي شرع بها المعلمون احتجاجا على تدني اجورهم مقارنةً بنظرائهم في الوظيفة العمومية. ويَستمر المعلمون والمعلمات بتمسكهم بالإضراب باعتباره حقاً قانونياً مشروعاً، وطريقاً حضارياً لانتزاع الحقوق، مؤكدين صعوبة إكمال مهامهم في ظل الظروف المعيشية القاسية التي يكابدها المعلم الفلسطيني، وقد ينذر تصاعد أزمة المعلمين بتأجيل الفصل الدراسي أو التوصل لاتفاقٍ عادلٍ يلبي مطلبهم ويعيد النظر في مستحقاتهم المالية والوظيفية.
المعلم الفلسطيني صمام أمان في وجه استهدف الاحتلال للعملية التعليمية
يأخذ المعلم الفلسطيني موقعاً متقدماً في رحلة النضال الطويلة التي يخوضها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 75 عاما. ساهم ذلك في تشكيل قناعة وتوجه استراتيجي بأن مكانة المعلم المهنية من أهم روافع النضال في فلسطين، فالمعلم هو الفاعل الأول في بناء المنظومة الوطنية والفكرية والثقافية لدى النشئ الفلسطيني، ومن المهم أن يكون راضٍ ومطمئن، وهذا الإنجاز لا يمكن فصله عن مأسسة التعليم ومهنته. يسطر المعلمون الفلسطينيون تضحيات عظيمة من خلال تصديهم لسياسات الاحتلال الاسرائيلي المجحفة بحق العملية التعليمية، ومحاولة فرض الوصاية، وتهويد المناهج، وتزوير الهوية التاريخية والجغرافية الفلسطينية. يحتفظ المعلم الفلسطيني برمزية وطنية تعود في تاريخها للانتفاضة الفلسطينية الأولى حين استحدث المعلمون ما أسموه “التعليم الشعبي” من أجل الحفاظ على سير العملية التعليمة حين شرع الاحتلال بإغلاق المدارس والمؤسسات التعليمية في جميع أنحاء الضفة الغربية وغزة في اطار سعيه لفرض سياسة التجهيل والاحتلال المعرفي والفكري.
العمل النقابي حق مشروع
أظهر المعلمون من خلال فعاليات حراكهم التزاماً كبيراً بالمحددات الحضارية والقانونية للتجمع والاعتصام والاحتجاج النقابي. يطالب المعلم الفلسطيني في هذه الأثناء بتنفيذ مجموعة من الاتفاقيات التي أبرمت في وقت سابق مع الحكومة الفلسطينية واتحاد المعلمين الفلسطينيين وتتعلق بحقوقهم النقابية والمالية. على الصعيد المالي يطالب المعلمون براتب كامل غير منقوص أسوة بغيرهم من الموظفين في الوظيفة العمومية، كما يطالبون بعلاوة طبيعة عمل تتسق وحجم التضخم الذي يعصف بأسعار السلع في السوق الفلسطينية، بالإضافة لمطالبتهم بمستحقاتهم ومتأخراتهم من مرتباتهم السابقة على الحكومة الفلسطينية. أما على الصعيد النقابي فلا يزال المعلمون يطالبون بدمقرطة الاتحاد الفلسطيني للمعلمين وتنسيب معلمين جدد للهيئتين الادارية والعامة. ترى الحكومة الفلسطينية بالحراك المطلبي للمعلمين ارباكاً للعملية التعليمية يتسبب بفوضى تؤثر سلباً على استمرار سير العملية التربوية. كما ترى الحكومة الفلسطينية أن فلسطين تمر بأزمة مالية أعقبها تحديات وظروف استثنائية تقع على الكل، والمعلم ليس منفصلا عن واقع الحال.
العملية التعليمية مسئولية سامية مطلوب حمايتها
لا بد من الاعتراف بأن المعلم هو حجر الزاوية في العملية التعليمية، فهو العامل الأساس لسيرها وانتظامها، ويأتي الحفاظ عليه وحمايته ضمن أهم المبادئ التي تقرها جميع النظم التعليمية بما فيها نظام التعليم الفلسطيني. فمن المهم جدا كفاية المعلم مادياً لما في ذلك من آثار ايجابية مهمة على الصعيد النفسي والفني لدى المعلم. تبرز هنا ضرورة ملحة لتسخير كل الجهود من قبل صناع القرار لإنصاف المعلم والنظر لوظيفته في إطار استهداف الاحتلال للعملية التعليمية الفلسطينية واقتناص الفرص للنيل من رأس المال الثقافي والمعرفي الفلسطيني. لقد مرت القضية الفلسطينية بمنعرجات خطيرة عبر رحلة التحرر التي لا يزال الفلسطينيون بكل أطيافهم يقدمون أغلى ما لديهم في سبيلها، ولن يكون ذلك أصعب من تثبيت حق المعلمين واسناد نضالهم الوطني والنقابي في الدفاع عن قضية شعبنا الفلسطيني وقد ارتقى منهم الشهداء وبقوا متسلحين بالإرادة والعزيمة.