أ. فارس أبو الحسن
محام وناشط حقوقي فلسطيني
حتى وقت كتابة هذه السطور بلغ عدد شهداء العدوان الصهيوني على قطاع غزة ما يزيد على 15899 شهيدا و 42000 جريحا 70% منهم من الاطفال والنساء إضافة لقرابة 1.5 مليون نازح يعيشون ظروفاً غاية في القسوة في مراكز ايواء معظمهم من النساء والاطفال والمرضى والجرحى.
حتى تاريخه أصاب المجتمع الدولي حالة من الشلل الكامل إزاء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من جريمة الإبادة الجماعية المكتملة الأركان، فلا المؤسسات الدولية ولا المجتمع الدولي استطاع أن يوقف المجازر والقصف الهمجي للمجمعات الطبية والمدارس والمؤسسات – حتى الدولية منها والتي منها ما يرفع علم الأمم المتحدة- ولسيارات الاسعاف والأبراج ومنازل المدنيين والجامعات و مجمعات المحاكم والمتاجر والأسواق ولكل ما هو فلسطيني في قطاع غزة، بل وصل الأمر لاستخدام أسلحة محرمة دوليا كالفسفور الأبيض الذي تشير التحقيقات الاولية لاستخدامه في قطاع غزة في هذا العدوان وفي سابقاته من الاعتداءات ايضاً، في تحد صهيوني فاضح لكل المبادئ والقوانين والأعراف الدولية المقرة في حالات الحروب والنزاعات المسلحة.
إن المنظومة القانونية الدولية كلها مهددة بالانهيار والاعلان عن افلاسها الأخلاقي والقيمي نتيجة الموقف السافر للولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الاوروبية والغربية الداعمة لإسرائيل من الجرائم التي ترتكب في قطاع غزة على يد دولة الاحتلال الاسرائيلي وتمويلها واسنادها بكل ما يلزم ماديا وعسكرياً من هذه الدول التي تعتبر نفسها المدافع الأول عن القانون الدولي والقانون الدولي الانساني ومبادئ حقوق الانسان، بل إن هذه الدول هي من ينتهكها ويخالف الحد الادنى من قواعدها ومبادئها، فالعالم ينظر إلى هذه الجرائم ويراقبها ويرصدها لتكون حجة على هذه الدول المدعية في حال وقفت في يوم من الايام ضد أي انتهاك لحقوق الانسان في أي دولة من دول العالم، فلم تعد هذه المنظومة الدولية تتمتع بالمصداقية الأخلاقية في حال تبنت أي موقف ضد انتهاك أي دولة أخرى قد ترتكب جرائم مماثلة لما ترتكبه دولة الاحتلال ضد قطاع غزة .
جريمة الابادة الجماعية
75 عام على تبني الأمم المتحدة لاتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية ومع ذلك لم يتمكن المجتمع الدولي على مدار ما يقرب من الشهرين من وقف ارتكاب هذه الجريمة وغيرها من الجرائم التي تنفذ في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع العالم وأمام عدسات وكاميرات الصحفيين الذين شملتهم هذه الجرائم بل وكانوا هدفاً متعمدا لآلة الإجرام الصهيونية.
القانون الدولي الانساني
كما أن القانون الدولي الانساني الذي تطور للحد من معاناة الأشخاص المحميين وقت النزاعات المسلحة بنصوصه الواردة في اتفاقيات جنيف الاربعة وملاحقها وإعلان لاهاي، ومن المعلوم أن إسرائيل بعد أن انضمت الى الاتفاقية إلا أنها فيما بعد تحفظت على انطباق الاتفاقيات على الاراضي الفلسطينية، على الرغم من قرارات مجلس الامن العديدة التي أكدت على انطباقها على الاراضي الفلسطينية المحتلة وعلى الرغم من تأكيد الدول السامية المتعاقدة على انطباقها على الاراضي الفلسطينية وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية في فتواها عام 2004 بوجوب التزام اسرائيل وامتثالها لأحكام الاتفاقية على الاراضي الفلسطينية .
وعليه فالإطار القانوني المطبق في الاراضي الفلسطينية بما فيها الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة هو قانون الاحتلال العسكري والذي يتكون من لوائح لاهاي لعام 1907 واتفاقيات جنيف الرابعة.
إن الدعم والمساندة والغطاء السياسي الذي تحظى به إسرائيل في حربها على قطاع غزة من قبل الولايات المتحدة وعدد من الدول الاوروبية والغربية وتحصين جرائمها وانتهاكاتها وإحباط أي قرار يمكن أن يتخذ ضدها في مجلس الأمن هو الذي يعطل تطبيق القانون الدولي الانساني ويسمح لإسرائيل بخرقه و انتهاك احكامه في الحرب الدائرة على قطاع غزة.
لقد دأبت إسرائيل على التنصل من تطبيق القانون الدولي الانساني باستخدام منافذ ومصطلحات قانونية تروج لها إعلاميا وعبر دوائر التأثير العالمية من قبيل، المقاتل غير الشرعي، الذي تصف به مقاتلوا المقاومة الفلسطينية، وعدم اعتبارهم أسرى حرب، لتتهرب من معاملتهم معاملة أسرى الحرب وفق اتفاقية جنيف الثالثة، وتستخدم إسرائيل مصطلح المناورات البرية بدلا من الحرب البرية لتتنصل أيضاً من التزاماتها القانونية بنفس الطريقة.
فإلى متى يسمح لإسرائيل بانتهاك القانون الدولي الانساني بأبشع الصور الذي يمكن للعقل البشري أن يتصورها:
- فلا حرمة لدماء الاطفال والنساء والشيوخ والمرضى ولا مساواة في نظرة الاحتلال لهم كونهم من بني البشر فلا حرمة لأي مبنى في قطاع غزة لا مستشفى ولا جامعة ولا مجمع محاكم ولا مساكن مدنية أو خيرية أو ثقافية.
- ولا حماية للمرضى والجرحى ولا العجزة ولا الحوامل.
- تدمير المستشفيات والمؤسسات الصحية التي تقدم الخدمات الطبية والصحية للمرضى والجرحى وهي ما اكدت الاتفاقيات الدولية على وجوب احترامها وإخراجها من دائرة الصراع.
- قطع الامدادات الغذائية والطبية والعلاجية والصحية عن كل سكان القطاع بفرض حصار محكم من البحر والجو والبحر.
- تدمير كل ما يزود سكان القطاع بأساسيات الحياة كمجمعات المياه الصالحة للشرب والكهرباء بمنع تزويدها بالوقود الذي حرمت منه حتى المستشفيات.
- تشريد المواطنين الفلسطينيين من خلال حثهم بل وإجبارهم عبر أحزمة نارية وقصف جوي وبحري وبري على النزوح من مناطق شمال القطاع الى جنوبه.
- أسر العديد من الأطباء والمسعفين والصحفيين والمواطنين المدنيين من قطاع غزة دون السماح للصليب الاحمر أو أي مؤسسة دولية بزيارتهم أو الاطلاع على ظروفهم.
طوال سنوات الاحتلال الاسرائيلي العنصري المتطرف وخلال عملي في مجال حقوق الانسان قمت بتوثيق العديد من الانتهاكات الاسرائيلية عند اقتحامها لمناطق مختلفة في الضفة الغربية وقطاع غزة تستخدم خلالها سكانا مدنيين في اقتحامهم لمنازل أو أماكن يتحصن فيها مقاومين فلسطينيين كدروع بشرية، بل إن صور العديد من الشبان الذين كانت دوريات الاحتلال ومدرعاتها تقيدهم في مقدمة الالية العسكرية عند دخولها أحياء ومناطق فلسطينية لا تنسى أو تمحى من الذاكرة ومع ذلك فلا تمل إسرائيل وحكومتها ووزرائها المتطرفين من ترديد المبرر الظالم لقصفها ومحوها لمدن وقرى وأحياء كاملة عن الوجود، أن قوى المقاومة الفلسطينية تستخدم المدنيين دروعاً بشرية كمبرر لقصف كل شيء في قطاع غزة فهل يستخدم الأب أبناءه درعا بشريا أم أن قوة الظلم والعدوان والبطش والقتل هي من تستخدم أطفال ونساء فلسطين لتقضي على رجالهم وتحقق من خلالهم أهداف الاحتلال.