بقلم: المهندس سامر المصري

مستشار في السلامة العامة والصحة المهنية 

ان الاحداث التي تكون بلا تخطيط تؤثر في كثير من الاحيان وبشكل كبير على مسارات الحياة الروتينية الطبيعية لأي امة من الامم او أي شعب تحت دولة من الدول، فهذه الاحداث عادة ما تكون علامة فارقة في تاريخ هذا الشعب او تلك الامة والتي من خلال هذه الاحداث ومن بعد انتهاءها تضع الكثير من الاولويات خلف الهامش وتضع اولويات جديده تبنى عليها اجراءات وانشطة تتعلق في معظمها بمصير نهضة هذا الشعب للخروج من الحدث الطارئ الذي حل بهم. ان الاحداث غير المخطط في بعض الاحيان تكون ذات تأثير مدمر على بنية الدولة ومؤسساتها وخدماتها المختلفة وعلى كافة المستويات والقطاعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها, وطبيعة هذه الاحداث هي ما نطلق عليها مصطلح الازمة أو مصطلح الكارثة بحسب نوع الحدث الذي حل فجأة والتي قد يكون بعضها بمقدمات وبعضها بلا مقدمات.  فقد تؤدي الأزمات الى فشل في النظام القائم وقد تصل الى درجة استحالة القيام بالأنشطة اليومية العادية.

وفي عصرنا الحديث ظهر علم مستقل يختص بالأزمات والكوارث، يعنى بكيفية إدارتها ومواجهتها، يطلق عليه “علم إدارة الأزمات والكوارث” وهو علم مؤسس كغيره من العلوم على مجموعة من الأسس والمبادئ العلمية والمفاهيم الخاصة به. وهذا ما يجعله علماً مختلفاً في أساليبه وتطبيقاته ومنهجياته عن العلوم الإدارية الأخرى والتي قد تجد فيها رابطا يربطها بعلوم ادارة الازمات والكوارث. ان إدارة الأزمات والكوارث تهدف بشكل عام إلي التحكم في احداث مفاجئة ومتسارعة تتفاقم بشكل دراماتيكي متصاعد والتعامل مع هذه الاحداث وتصنيفها ومواجهة اثارها ونتائجها. ان  إدارة الازمات والكوارث تقوم على الدراسة والبحث والمعرفة والتجارب المستفادة والتخطيط واستخدام المعلومات والبيانات كأساس للقرار السليم حيث تعامل إدارة الأزمات والكوارث مع الأحداث على اساس وقف هذا التصاعد والسيطرة عليه وتحجيمه وقطع اية مقومات تؤدي الى تعاظمها. وعليه فانه يمكن تعرف الازمة والكارثة كالتالي:

  • الأزمة: هي عبارة عن خلل يؤثر تأثيرًا ماديا على النظام كله كما أنه يهدد الافتراضات الرئيسية التي يقوم عليها هذا النظام كفشل النظام الاقتصادي.  
  • الكوارث: تغير في المنظومات البيئية المتعارف عليها بفعل الطبيعة او بفعل الإنسان كفعل الزلازل (بيئي) أو الحروب (بشري).

واليوم يعيش الشعب الفلسطيني ازمة وكارثة مضاعفتين نتيجة للاوضاع الراهنة من حرب في قطاع غزة ووضع سياسي واقتصادي متهلهل في الضفة الغربية نتيجة للازمات المتلاحقة التي تنهش في بنية هذا الشعب نتاج سنوات طويلة من الحصار والهيمنة الاحتلالية على مقدراته وامكاناته, هذه الازمات والكوارث تحتاج منا جميعا, مؤسسات سلطة ومجتمع محلي ونقابات مهنية ومؤسسات اقتصادية واجتماعية فاعلة في المناطق المحتلة الى العمل الجاد على تفعيل ادارات الازمات والكوارث وبشكليها الجمعي على مستوى الوطن والمؤسسي على مستوى كل مؤسسة فاعلة يفترض فيها ان تبقي على نظام خدماتها اللوجستية فاعلا في وقت تكون فيه البلد احود ما تكون لاستمرار هذه الخدمات والتي عادة ما تكون على شاكلة منتجات اساسية وحيوية كالمخابز ومحلات السلع الاساسية او خدماتية كخدمات الصحة والعناية الطبية.

صفات الازمات والكوارث

من صفات الازمات والكوارث انها تقع فجأة دون توقع ، أو يكون توقعه قد تم قبل وقوعه بفترة قصيرة جداً ، بما لا يسمح باتخاذ الإجراء المناسب لمواجهته او منعه, وتعمل هذه الازمات والكوارث على تهديد أهداف المؤسسات أو النظام وبالتالي قد يتسبب في انهيار النظام أو المؤسسة وبالتالي منظومة الخدمات المتوقعة والتي على رأسها الخدمات الطبية وخدمات الاحتياجات الاساسية للبقاء كالسلع الغذائية الاساسية. فقدان هذه المنظومة يتسبب وبشكل مباشر في وقوع خسائر مالية أو بشرية أو نفسية وتأثيرها سلبي على عوامل تماسك المجتمع او المنظومة ويؤدي إلى خلق مشكلات جديدة لا يمتلك الفرد أو الجماعة أو الإدارة أو المجتمع  حسب مستوي ونوع الأزمة  الخبرة الكافية لمواجهتها ، وربما كانت الخبرة لديهم غير كافية في حلها او التعامل معها بما يناسب طبيعتها مما يؤدي الى تفاقم الازمة بدلا من السيطرة عليها. 

كما ان عاملا مهما في وقت الازمات والكوارث يتعلق باليات اتخاذ القرار والتي تحتاج إلى سرعة في اتخاذ القرار وهذا قد يتشكل منه مخاطرا عالية اذ ان بعض القرارات قد لا تستوفي دراسة الموضوع من كافة جوانبه مما يؤثر سلبا على الاجراءات ويفاقم الازمة, فإدارة الازمات والكوارث خطط مسبقة تضع كل السيناريوهات المحتملة وتساعد في اتخاذ الاجراء المناسب وفقا لذلك. من الامور المهمة والتي تؤخذ بعين الاعتبار ادارة التغيير , اذ انه في الازمات والكوارث تكون هناك حاجة ملحة في غالب الاوقات الى التغيير الذي لا مفر لا مفر منه, الامر الذي يتطلب تخطيطا مسبقا لهذا التغيير كي يتلاءم مع معطيات الواقع الجديد الذي فرضته الازمة او الكارثة.

التنبؤ بالكوارث والأزمات 

ان من اهم عمليات ادارة الازمات والكوارث هي عملية التنبؤ الوقائي الذي ينبغي ان يكون حاضرا لضمان نجاح عملية ادارة الازمات والكوارث وكمتطلب أساسي في العملية الادارية والتي يطلق عليها الإدارة السبّاقة اذ تعتمد على الفكر التنبؤي الإنذاري وذلك لتفادي حدوث الأزمة مبكرًا والعمل الاستباقي في صیاغة منظومة وقائیة تعتمد على المبادأة والابتكار وتدریب فرق الاسناد عليها لمنع حدوثها وتعتبر هذه الادارة ذات الرؤيا الابعد والاشمل \وتعتبر ادارة متقدمة جدا على غيرها من ادارات الازمات والكوارث الاخرى التي تعمل على التقليل من اثر الازمة وخاصة في  حال لم يكن هناك استطاعة في منعها واصبح حدوث الازمة او الكارثة تحصيل حاصل وامرا واقعا لا مفر منه. واسوأ هذه الادارات هي تلك التي لا تخطط بالمطلق او تخطط بدون سيناريوهات محتملة وتضع الحد الادنى من التوقع في تخطيطها واجراءاتها وهي التي يمكن ان تسمى برجل اطفاء الحريق Fire Fighters اذا انها لا تتحرك بإجراءاتها الا بعد وقوع الكارثة (الحريق) وتشرع بتطوير خططها الادارة وفقا للحدث المستجد الذي لم يكن ضمن الحسابات المدروسة.

الواقع الفلسطيني:

لقد فرضت تحديات المرحلة الخطيرة التي يمر بها الشعب الفلسطيني وخاصة بعد عملية “طوفان الاقصى” التي قلبت كل الموازين والمعادلات وفرضت واقعا تكثر فيه الازمات والكوارث نتيجة للأعمال العدائية التي يمارسها الاحتلال على شعبنا في قطاع غزة والتي انعكست بظلالها على واقع الضفة الذي يبدوا اقل تأثرا من الاعمال الحربية الا ان هذه التحديات لا بد وان تؤخذ بعين الاعتبار نتيجة المصير المشترك والواحد للشعب الفلسطيني بغض النظر عن البقعة الجغرافية التي يقطنها والتي اقربها للتأثر هي الضفة الغربية والتي تعتبر خاصرة ضعيفة في الوقت الراهن نتيجة لأسباب متعددة تتحكم فيها الازمات المتتالية كي تبقيه في حالة الضعف العام. وتتعدد هذه الازمات وبأشكال مختلفة وعلى كافة المستويات والقطاعات والتي تستوجب وقفة جادة من اصحاب العلاقة وذوي الشأن الذين يملكون جزءا من القرار او كله في التحرك الفاعل لوضع خطة وطنية لادارة الازمات قبل تفاقمها الى مستويات يندر معها العلاج الوقائي او الاستباقي او حتى عملية السيطرة وتخفيض مستويات المخاطر الناجمة عن هذه الازمات.

إن الضرورة الوطنية في الوقت الراهن تتطلب العمل الفاعل على توحيد الأداء المهني والمؤثر في ادارة الازمات والكوارث الأمر الذي يتطلب تشكيل قيادة طوارئ فلسطينية لقيادة وإدارة الازمات والكوارث بما يضمن الحماية للشعب الفلسطيني ومقاومته وحقوقه من جهة، وحماية الإنجاز والمعاني الآنية والاستراتيجية للمشروع الوطني التحرري من جهة ثانية وذلك باستغلال حالة الصمود والثبات التي نراها ماثلة امام اعيننا في قطاع غزة واهله الصابرين كقدوة ومحفز لتعزيز هذه الحالة في الضفة الغربية ضمن برنامج لادارة الازمات وفق رؤية مهنية وطنية شاملة تتضمن اولوية مهمة واساسية تعزز من صمود الشعب في ارضه وتوفر له كل مقومات الحياة والكرامة في وقت الازمات كالإيواء والدواء والغذاء والوقود وغيرها كمصادر اساسية من مصادر استمرارية المواجهة للمخاطر المترتبه على كل من الازمات والكوارث.

وهنا لا بد من الاشارة الى النقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المحلي والتي يقع على عاتقها الجزء الاكبر والاهم في ترتيب الاوراق واعادة صياغة القيادة الميدانية الفاعلة في وقت الازمات والكوارث كونها الاقدر على التحرك والمناورة بعيدا عن التأثيرات والمؤثرات التي قد يتم فرضها على اولويات خطة ادارة الازمات والكوارث وخاصة انها تعنى بالمواطن اولا واخيرها وانها كانت ومن خلال تجارب سابقة كما في اجتياحات عام 2002 للمناطق الفلسطينية الاقدر على جمع المعلومات والتعامل معها وفق الاولويات الوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *