بقلم م. ريما بدير، أكاديمية وناشطة نقابية
يعتبر العمل النقابي أحد الركائز المهمة لنهضة وتطور المجتمع المدني الفلسطيني، وما كان العمل النقابي ليقتصر على الرجال لكون النساء الفلسطينيات يشكلن جزءا أساسيا ومركزيا وكبيرا من هذا المجتمع.
ولهذا كان لمشاركة المرأة الفلسطينية في العمل النقابي أمرا حتميا لإيصال صوت العاملات من النساء وتحصيل حقوقهن بشكل خاص وحقوق العاملين بشكل عام. كما وأن دخول المرأة في العمل النقابي يؤدي لاهتمام متزايد في الصحة والتعليم والرعاية والاجتماعية وغيرها، وقد خلصت الدراسات الباحثة في موضوع العمل النقابي أن المرأة أقل فسادا من الرجل في السياسة والاقتصاد وهذا وحده يكفي لدعم وتشجيع مشاركة المرأة بشكل فاعل في هذا المضمار
نشأت النقابات في العالم وتطورت للدفاع عن مصالح منتسبيها، ولتطوير المهنة، ولأن أعضاءها هم مواطنون ما بين رجال ونساء يتشاركون الحياة وقضاياها العامة مثل الديمقراطية والحريات العامة والتنمية فهي تلعب دورا مهما في الحياة العامة، وفي فلسطين انعكست خصوصية القضية الفلسطينية ووجود الاحتلال الصهيوني على طبيعة العمل النقابي فكانت طبيعة العمل النقابي تجمع بين النضال النقابي لتحصيل الحقوق النقابية والنضال السياسي لتحصيل الحق الأول والأكبر بالتحرير ولعبت اغلب النقابات العمالية والمهنية دورا بارزا في النضال والثورة ضد المحتل ومخططاته.
ولعبت المرأة الفلسطينية دورًا مهمًا في العمل النقابي، حيث شاركت بنشاط في الحركات النقابية والاجتماعية والسياسية منذ فترة طويلة وكانت النساء الفلسطينيات جزءًا من الحركات الوطنية والنقابية منذ فترة الانتداب البريطاني، حيث شاركن في تنظيم الاحتجاجات والإضرابات ضد الاستعمار وضد السياسات القمعية وتأسست العديد من النقابات النسائية التي تركز على حقوق المرأة والعمال وواحدة من أقدم هذه النقابات هي “الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية”، الذي تأسس في عام 1965 وتسعى المرأة الفلسطينية إلى الحصول على تمثيل عادل في النقابات العامة، مثل الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين. والنقابات المهنية المختلفة كنقابة المهندسين والأطباء والمحاميين.
يمكن للمرأة الفلسطينية أن تلعب دوراً حيوياً في تعزيز وتطوير العمل النقابي من خلال المشاركة الفعالة في النقابات، فالعمل النقابي الفعال يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في التشريعات والسياسات التي تحسن ظروف العمل للجميع. وهذه الفعالية تتجسد في أفضل صورها إذا ما وصلنا الى التمثيل القيادي حيث ان تولي النساء مناصب قيادية داخل النقابات يمكن أن يساعد في تشكيل سياسات نقابية شاملة ومتنوعة. فالقيادة النسائية تضفي رؤية جديدة وشاملة على النقابات.
وحتى نصل الى تمثيل أقوى وأعلى للنساء في المراكز القيادية نحتاج الى توعية وتدريب النساء على أهمية ذلك من خلال برامج تدريبية وتوعوية تركز على مواطن القوة لدى النساء النقابيات ومن اهم هذه المواطن:
- التفاوض بشكل أفضل من الرجال حيث أن النساء يجمعن بين تجاربهن المجتمعية ومهاراتهن التفاوضية، وبالتالي يكون لديهن فرصة أفضل للتوصل إلى اتفاق. المرأة النقابية يمكن أن تلعب دوراً محورياً في عمليات التفاوض مع أصحاب العمل والحكومة لتحقيق حقوق أفضل للمنتسبين. والمفاوضات الناجحة يمكن أن تؤدي إلى تحسين ظروف العمل وزيادة الأجور والحصول على مزايا أفضل.
- بناء التحالفات والشبكات: النساء يمكنهن بناء تحالفات وشبكات مع منظمات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية، والجهات الحكومية لتعزيز العمل النقابي. هذه الشبكات تساعد في تبادل الخبرات والموارد وتعزيز الجهود النقابية.
- تعزيز التضامن: المرأة يمكن أن تكون عامل تعزيز للتضامن بين المنتسبين للنقابات من خلال تعزيز قيم التعاون والتكافل. التضامن النقابي يؤدي إلى وحدة أقوى وقدرة أكبر على مواجهة التحديات.
- إدخال قضايا جديدة إلى الأجندة النقابية حيث يمكن للمرأة أن تجلب قضايا جديدة ومهمة متعلقة بالنساء إلى الأجندة النقابية، مثل حقوق الأمهات العاملات، والتوازن بين العمل والحياة الشخصية، والرعاية الصحية.
الصعوبات والتحديات
المرأة الفلسطينية تواجه صعوبات وتحديات في العمل النقابي، منها ما هو عام يعاني منه الرجال والنساء في العمل النقابي ومنها ما هو خاص بكونها امرأة، فالعمل النقابي بالذات يحتاج لصاحب الخبرة والمهارة والقدرات القيادية والإدارية والنقابية المتميزة.
أما العام فيتمثل أولا بالاحتلال والقيود السياسية المفروضة على الحركة والتنقل التي تؤثر بشكل كبير على المشاركة في الأنشطة النقابية. والاعتقالات والعنف الممارس من قبل قوات الاحتلال التي تؤدي إلى تقييد حرية التعبير والتجمع
وثانيا بسيطرة الدولة العميقة على بعض المؤسسات والنقابات ومراكز القوى بحيث يتم وضع النقابي في المكان حسب انتمائه وليس حسب ما يملك من خبرة أو مهارات تؤهله لهذا المنصب. ويبرز الخلل حين تطغى الاهتمامات السياسية على النقابية، وهذه الظاهرة تُحَوِّل النقابات إلى مجرد واجهات سياسية للأحزاب التي تقودها، ويضعف دورها في تمثيل جمهورها.
ومن التحديات العامة أيضا ضعف وغياب الممارسة الديمقراطية في صفوف النقابات سواء بسبب غياب الانتخابات أو عدم انتظامها أو اعتماد هذه الانتخابات على الاتفاقات والصفقات الفوقية بين التنظيمات وفق مبدا المحاصصة والكوتا، وبالتالي غياب التجديد في هيئات النقابات، وضعف الرقابة والمحاسبة.
واذا ما تطرقنا للصعوبات والتحديات الخاصة بكونها إمرأة فهي تتضمن مجموعة من العوامل الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية التي تعيق مشاركة المرأة الفعالة وتمثيلها في النقابات.
من بين هذه التحديات:
- الثقافة السائدة في بعض المجتمعات الفلسطينية التي قد تحمل نظرة تقليدية تقلل من دور المرأة في العمل والنشاط النقابي والتمييز الاجتماعي والثقافي الذي يمكن أن يحد من فرص المرأة في الوصول إلى مناصب قيادية داخل النقابات.
- الافتقار إلى الوعي بأهمية دور المرأة في العمل النقابي في المجتمع عامة وبين النساء خاصة، مما يحد من مشاركتهن وانخراطهن في النقابات.
- الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والمسؤوليات الأسرية التي تتحملها النساء غالباً قد يجعل من الصعب على النساء الانخراط في العمل النقابي بشكل كامل. الحاجة للعمل في أكثر من وظيفة لتوفير الدعم المالي للأسرة يمكن أن يكون عائقاً أمام المشاركة النقابية.
- ضعف التمثيل القيادي يجعل من الصعب على النساء أن يكون لهن صوت قوي ومؤثر داخل النقابات.
وبالرغم من هذه التحديات، فإن هناك زيادة ملحوظة في عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب قيادية في النقابات؛ نقابة المهندسين كمثال حيث تشغل مهندسة منصب نقيب المهندسين ونجحت النساء الفلسطينيات في تحقيق إنجازات مهمة، والمشاركة في صنع القرار داخل النقابات مثل تحسين ظروف العمل والمطالبة بحقوق المرأة في بيئة العمل.
ولتجاوز هذه التحديات والصعوبات ولتطوير دور المرأة وصقل مهاراتها ودعم مواطن القوة عندها فنحن بحاجة الى استراتيجية شاملة تتضمن: التعليم، التمكين، وتوفير الفرص:
أولا: التعليم والتدريب من خلال برامج تدريبية مخصصة لتطوير المهارات القيادية والنقابية لدى النساء، مثل فن التفاوض، إدارة الحملات، والتحدث أمام الجمهور وتشجيع النساء على مواصلة التعليم العالي والتخصص في المجالات ذات الصلة بالعمل النقابي.
ثانيا: التمكين الاقتصادي من خلال دعم المشروعات الصغيرة وتقديم دعم مالي وفني للنساء لبدء مشروعاتهن الصغيرة باختلاف المهن والتخصصات، مما يعزز استقلالهن الاقتصادي ويساعدهن في الحصول على مزيد من النفوذ داخل النقابات
ثالثا: التشبيك وبناء التحالفات: من خلال إنشاء شبكات تواصل بين النساء النقابيات محليا وإقليميا لتبادل الخبرات والدعم المتبادل وتعزيز التعاون مع المنظمات النسوية ومنظمات حقوق الإنسان لتحقيق أهداف مشتركة.
رابعا: المشاركة السياسية والاجتماعية من خلال تحفيز النساء على المشاركة في الانتخابات النقابية والترشح لمناصب قيادية وتنظيم ورش عمل للتوعية بحقوق المرأة في مكان العمل وداخل النقابات.
خامسا: التوعية المجتمعية من خلال تنظيم حملات إعلامية لتسليط الضوء على أهمية دور المرأة في العمل النقابي ولتغيير التصورات السلبية وعقد ندوات ومؤتمرات لمناقشة التحديات التي تواجه المرأة النقابية وطرق التغلب عليها.
سادسا: السياسات الداعمة من خلال العمل على سن تشريعات وسياسات تدعم مشاركة المرأة في النقابات وتحمي حقوقها. ووضع سياسات داخلية في النقابات تضمن تكافؤ الفرص وتعزز من مشاركة المرأة.
هذه الخطوات يمكن أن تساعد في خلق بيئة نقابية أكثر شمولية وعدالة للمرأة الفلسطينية، مما يسهم في تعزيز حقوقها وتمكينها في كافة المجالات.
كل ما ذكر سابقا يحتاج الى مجتمع يمتلك السيادة والحرية ويمارس حقوقه الديموقراطية بدون قيود من الاحتلال أو الدولة العميقة، مجتمع يستطيع أن يسن القوانين التي تناسب ديانته وثقافته وعاداته دون أن يكون تابعا لسياسة معينة.