بقلم: م. براء ياسين جرارعة – نائب رئيس بلدية عصيرة الشمالية
تُعد تجربة بلدية عصيرة الشمالية نموذجًا رياديًا في دعم الشباب وتنميتهم، حيث استثمر المجلس البلدي الحالي في الإمكانات الكامنة للشباب لإحداث تغييرات إيجابية على المستوى المحلي. رغم التحديات التي تواجه الشباب الفلسطيني، أبدى المجلس اهتمامًا استثنائيًا بتنمية هذه الفئة وتعزيز دورهم في المجتمع.
مشاركة الشباب في صنع القرار
تميزت بلدية عصيرة الشمالية بإشراك الشباب في الهيئات القيادية، حيث نجح اثنان من الشباب دون سن الخامسة والثلاثين من الفوز بعضوية المجلس البلدي بالإنتخابات الأخيرة التي جرت نهاية عام 2021م، من أصل 11 عضو من إجمالي الأعضاء. رغم أن هذه النسبة تُعتبر محدودة مقارنة بحجم فئة الشباب في المجتمع، إلا أنها تُعد إنجازًا ملموسًا مقارنة بالمجالس المحلية الأخرى. وقد كنت أحد هذين العضوين وتم انتخابي من أعضاء المجلس لتولى منصب نائب رئيس البلدية، فيما كان زميلي الآخر مسؤول عن اللجنة المجتمعية التابعة للبلدية، مما يعكس التزام المجتمع والمجلس بإشراك الشباب في عملية صنع القرار.
خلق فرص عمل للشباب
اتخذ المجلس البلدي خطوات جادة لتوظيف الشباب من خلال تقليل متطلبات الخبرة عند التعيين. تم تعيين تسع شباب في وظائف دائمة في البلدية، وهو ما يشكل أكثر من ربع موظفي البلدية، ليصبح أكثر من نصف العاملين من فئة الشباب. بالإضافة لذلك، أتاح المجلس فرص تدريب وتشغيل بالتعاون مع صندوق التشغيل الفلسطيني وصندوق البلديات ونقابة المهندسين، حيث تم توفير ما يزيد عن 30 فرصة عمل مؤقتة خلال السنوات الثلاث الماضية.
رعاية المؤسسات الشبابية
اهتم المجلس البلدي بدعم المؤسسات المحلية التي تهتم بالشباب. شملت الجهود توفير الدعم للنادي الرياضي بالبلدة، وافتتاح مدرسة بلال بن رباح القرآنية بالتعاون مع وزارة الأوقاف، لتشجيع الشباب على حفظ كتاب الله. كما تم دعم الجمعيات النسوية التي تستهدف الشابات من خلال أنشطة مخصصة.
دور المكتبة العامة
كان لمكتبة بلدية عصيرة الشمالية دور رئيسي في تعزيز أنشطة الشباب. فقد قدمت المكتبة العديد من الدورات وورش العمل، إلى جانب تنظيم نادٍ صيفي يهدف إلى تطوير قدرات الشباب في مجالات متنوعة، بالإضافة إلى توفير بيئة تشجع على القراءة والاطلاع.
الأنشطة المجتمعية والمبادرات الشبابية
نظم المجلس البلدي العديد من الفعاليات لدعم الشباب، مثل تكريم طلاب الثانوية العامة والحاصلين على إجازة القرآن الكريم، وفعالية يوم التزلج في ساحة التزلج التابعة للبلدية، وفتح مجال العمل التطوعي للشباب من خلال حملات تطلقها البلدية أو مبادرات تدعمها البلدية منها دعم المخيمات الفلسطينية في ظل العمليات العسكرية التي يقوم بها الإحتلال. كما دعمت البلدية أنشطة متنوعة بالتعاون مع النادي الرياضي، ومراكز التحفيظ، والجمعيات النسوية ومركز الخدمة المجتمعية في جامعة النجاح والهلال الأحمر، وغيرها.
التخطيط الاستراتيجي للشباب
مع بدء دورة المجلس البلدي الحالية، تم إعداد خطة استراتيجية بمشاركة فاعلة من الشباب. وجرى تشكيل لجنة التنمية المحلية كجزء من أربع لجان لإعداد الخطة، حيث تولت هذه اللجنة وضع برامج تنموية موجهة لفئة الشباب، بما يتماشى مع احتياجاتهم وتطلعاتهم.
تحسين البنية التحتية للشباب
استثمر المجلس في تأهيل مرافق تخدم الشباب، مثل تأهيل حديقة الصداقة، وتطوير ساحة التزلج، وتجديد مكتبة البلدية، فضلاً عن تطوير المدارس بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم. كما تضمنت الجهود بناء ملعب رياضي يُتوقع تشغيله قريبًا بعد استكمال تجهيزاته بميزانية بلغت حوالي مليون شيكل.
مشاريع شبابية مستقبلية
تعمل البلدية حاليًا على استكمال عدد من الأفكار المبتكرة، مثل تأسيس مجلس شبابي مساند للبلدية، إلى جانب إطلاق حاضنة أعمال بالتعاون مع شركة الصقور للبرمجيات، لتوفير بيئة تدعم الابتكار وريادة الأعمال بين الشباب.
في الختام، يمكن القول أن تجربة بلدية عصيرة الشمالية تُجسد التزامًا واضحًا بتنمية قدرات الشباب، بما يعزز من مكانتهم كركن أساسي في بناء مجتمع متماسك ومستقبل مشرق. هذه الجهود ليست فقط استثمارًا في الحاضر، بل هي أيضًا رهان على مستقبل أفضل للشباب الفلسطيني، وهذه التجربة جديرة بالتطوير والتعزيز سواء من خلال الاحتضان من قبل باقي المؤسسات الداعمة أو الممولة للمشاريع الشبابية، أو من خلال تحويل هذا النموذج لنموذج يمكن أن يطبق أو يبنى عليه في المجالس البلدية والمحلية الفلسطينية الأخرى.