بقلم: رهيئة التحرير
لم يعد القطاع الزراعي أحد القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية في فلسطين فحسب، بل بات يشكل العصب الأساسي الذي يوفر مقوم الوجود الفلسطيني في ظل ما يتعرض له الاقتصاد الفلسطيني من استهداف وحصار وتحكم من قبل الاحتلال الإسرائيلي. ففي أعقاب منع الاحتلال الإسرائيلي ادخال ما يزيد عن 200 ألف عامل إلى الأراضي المحتلة عام48، انضمت هذه الفئة وعائلاتهم إلى قطاع كبير من العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات والمعاهد، فيما بدأ السوق الفلسطيني يفتقد إلى السيولة النقدية نتائج قرصنة الاحتلال لأموال المقاصة المستمر لسنوات عديدة.
فالقطاع الزراعي، الذي يشكل مصدر رزق للعديد من الأسر الفلسطينية، والبديل لكل العائلات التي تبحث عن مصدر دخل لها، يعتبر أيضا معززا لمفهوم الأمن الغذائي وتحقيق درجة من الاكتفاء الذاتي. إلا أن هذا القطاع في الحالة الفلسطينية يواجه العديد من التحديات التي تعيق نموه واستدامته، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو بيئية. وفيما يلي أبرز هذه التحديات:
أولا: الاحتلال الإسرائيلي وممارساته
يُعتبر الاحتلال الإسرائيلي العائق الأكبر أمام تطور الزراعة في فلسطين، حيث يمارس سياسات ممنهجة تهدف إلى تقييد هذا القطاع، ومن أبرز هذه السياسات:
- مصادرة الأراضي الزراعية لصالح المستوطنات والجدار العازل.
- التحكم في مصادر المياه ومنع الفلسطينيين من حفر الآبار أو استخدامها بحرية.
- تدمير البنية التحتية الزراعية من خلال عمليات التجريف أو منع إدخال المعدات والأسمدة.
- صعوبة الوصول إلى الأسواق الخارجية بسبب الحواجز والمعابر التي يسيطر عليها الاحتلال.
ثانياً: شح المياه
تعاني فلسطين من أزمة مائية حادة، بسبب قلة الموارد الطبيعية وسيطرة الاحتلال على الجزء الأكبر من مصادر المياه. هذا الشح يؤدي إلى تقليص المساحات المزروعة، ويؤثر على نوعية المحاصيل وإنتاجيتها.
ثالثاً: التغير المناخي
شهدت فلسطين في السنوات الأخيرة تقلبات مناخية حادة، مثل:
- موجات الجفاف.
- انخفاض معدلات الأمطار.
- زيادة درجات الحرارة.
كل هذه التغيرات تؤثر سلبًا على المحاصيل الموسمية والإنتاج الحيواني، وتتطلب تقنيات حديثة للتكيف، لا تكون دائمًا في متناول المزارعين. في المقابل، باتت تشكل المستوطنات الزراعية التي يوفر لها كل المقومات الرئيسية واحدة من البدائل الانتاجية في القطاع الزراعي لسوق الاحتلال الإسرائيلي، بل إن القطاع الزراعي في المستوطنات بات يشكل مصدرا للأسواق الخارجية، في حين أن السوق الفلسطيني يعاني نتيجة ضعف حجم الاستثمار فيه، أو قلة الإمكانيات، أو غياب الرؤى الحكومية لتعزيزه وتطويره.
رابعاً: نقص الدعم الحكومي والتمويل
يعاني المزارعون من نقص في الدعم الحكومي، سواء من حيث التمويل أو التأمين الزراعي أو الإرشاد الفني. كما يواجهون صعوبة في الحصول على قروض ميسرة تمكنهم من تطوير أراضيهم أو شراء مستلزمات الإنتاج.
خامساً: ضعف التسويق الزراعي
يواجه المنتج الزراعي الفلسطيني مشاكل في تسويق منتجاته، أبرزها:
- غياب تنظيم السوق.
- تقلبات الأسعار.
- المنافسة غير العادلة مع المنتجات الإسرائيلية المدعومة.
- ضعف وسائل التخزين والتبريد.
سادساً: الزحف العمراني والتوسع السكاني
نتيجة للنمو السكاني وزيادة الحاجة إلى السكن، تتعرض الأراضي الزراعية للزحف العمراني، ما يقلص المساحات الزراعية الصالحة ويؤثر على الإنتاج المحلي.
سبل تعزيز القطاع الزراعي في فلسطين
بهدف التقليل من تأثير التحديات، أو لتجاوزها، لا بد من تبني سياسات واستراتيجيات متكاملة تستهدف جميع مراحل الإنتاج والتسويق. تتمثل في:
أولا: دعم السياسات الحكومية والتشريعات، وذلك من خلال:
- وضع سياسات زراعية وطنية واضحة تدعم المزارعين وتُسهل إجراءات الحصول على الأراضي والموارد.
- تبسيط الإجراءات الإدارية وتخفيض الرسوم المرتبطة بالتراخيص والاستيراد.
- تطوير قانون زراعي يحمي حقوق المزارعين ويعزز الاستثمار في القطاع.
ثانياً: تحسين إدارة الموارد المائية
- تحديث شبكات الري التقليدية إلى نظم الري بالتنقيط والرش لتقليل الهدر.
- تشجيع إعادة استخدام المياه المعالجة واستخدام تقنيات حصاد مياه الأمطار.
- دعم مشاريع حفر الآبار والصهاريج بالتعاون مع المنظمات الدولية.
ثالثاً: الاستثمار في البنية التحتية الزراعية
- إنشاء مخازن تبريد ومستودعات لحفظ المنتجات الزراعية وتقليل الفاقد.
- تحسين الطرق الزراعية والوصول إلى الأسواق المحلية والإقليمية.
- توفير طاقة كهربائية مستدامة لمضخات الري والمرافق الزراعية.
رابعاً: تبني التقنيات الزراعية الحديثة
- استخدام التقنيات الرقمية (الزراعة الذكية) لمراقبة المحاصيل والتربة.
- إدخال أصناف محاصيل مقاومة للجفاف والملوحة.
- تشجيع الزراعة العمودية والزراعة المحمية (الصوبات الزراعية(.
خامساً: بناء القدرات وتدريب المزارعين
- تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية في مجالات الإدارة الزراعية والإنتاج المستدام.
- نشر الوعي بأفضل الممارسات الزراعية وتقنيات مكافحة الآفات.
- دعم جمعيات المزارعين والتعاونيات لتمكينهم من تبادل الخبرات.
سادساً: تعزيز التمويل والخدمات المالية
- توفير قروض ميسرة وتأمين زراعي للمزارعين.
- إنشاء صناديق تمويل صغيرة لدعم المشاريع الزراعية الصغرى.
- تشجيع البنوك المحلية على تخصيص خطوط ائتمان للقطاع الزراعي.
سابعاً: تطوير التسويق وسلاسل القيمة
- إنشاء علامات تجارية فلسطينية للمنتجات الزراعية لرفع قيمتها.
- دعم التسويق الرقمي والتجارة الإلكترونية.
- تحسين سلاسل التوريد وتقليل الوسطاء لضمان عوائد أفضل للمزارعين.
ثامناً: التكيف مع التغير المناخي
- تنفيذ مشاريع تشجير واستصلاح الأراضي لمنع التصحر.
- اعتماد ممارسات زراعية مستدامة للحفاظ على التربة والمياه.
- دعم الأبحاث المناخية لتوقع المخاطر ووضع خطط تأقلم.
في الختام، إن تعزيز القطاع الزراعي في فلسطين يتطلب تكاملاً بين السياسات الحكومية والمبادرات المحلية والدعم الدولي. ومن خلال الاستثمار في الموارد والتقنيات وتطوير القدرات البشرية، يمكن تحقيق تنمية زراعية مستدامة تسهم في رفع مستوى المعيشة وتحقيق الأمن الغذائي.