المهندس عمرو عاشور
مستشار شؤون التدريب والتطوير في مؤسسة أوربت الدولية، وناشط في مجالات التنمية المستدامة
يعد قطاع الطاقة الكهربائية من اهم القطاعات الحيوية والضرورية في فلسطين، حيث يعتمد النشاط البشري على توفر التيار الكهربائي كونه شريان الحياة الرئيسي الذي يضمن استمرار الخدمات الأساسية كالمستشفيات، والمدارس، والمؤسسات الحكومية، وغيرها. وساهم موقع فلسطين الجرافي ليكون مركزا فريدا لمصادر الطاقة المتجددة وخصوصا الطاقة الشمسية وانتاج الكهرباء لخدمة جميع مناطق الدولة من شمالها حتى جنوبها.
ويأتي أهمية انتاج الطاقة الكهربائية وخصوصا ان حوالي 87%[1] من الطاقة الكهربائية في فلسطين مستوردة من شركة الكهرباء الإسرائيلية والتي يتم استخدامها ونقلها للمؤسسات الحكومية والتي بدورها توفرها لعامة الناس وفقا لدراسة أعده معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس). ومع زيادة الحاجة الضرورية للطاقة بشكل عام وخصوصا الطاقة الكهربائية بشكل خاص، تنبع فكرة انتاج الطاقة بأشكالها المتعددة حتى يتم الاعتماد عليها من اجل تحقيق حلول استراتيجية مستقبلية للأجيال القادمة.
يرتكز اصلاح قطاع الطاقة بشكل عام على عدة ركائز أساسية منها إدارة قطاع الطاقة وحوكمته، تحديد امدادات الطاقة ومصادرها، ومعرفة كميات الطلب على الطاقة وانواعها، وأيضا إيجاد حلول من اجل تحقيق الاستدامة.
وتشكل الطاقة الشمسية حلا مثاليا كأحد الحلول العملية والتي يمكن الاستفادة منه سواء على صعيد الافراد كالمنازل والمزارع والمشاريع الصناعية، وأيضا على صعيد الحكومات والهيئات المحلية كالبلديات والمجالس القروية وغيرها.
فموقع فلسطين الجغرافي يعطي فرصة كبيرة للاستفادة من اشعة الشمس سواء في انتاج الطاقة الكهربائية او حتى تسخين الماء واستخدامه في عدة مجالات أخرى.
وهناك عدة مشاريع قائمة في فلسطين اثبتت نجاحها في انتاج كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية معتمدة على الطاقة الشمسية كمحطة النجاح في مدينة نابلس ومحطة الطاقة الشمسية في طوباس واريحا وغيرها من المدن الفلسطينية الأخرى.
وتعد “محطة النجاح” مثالا عملياً على استخدام الطاقة الشمسية واستغلالها بشكل مثالي، وذلك لتقليل اعتمادها على الطاقة المستوردة من البلديات، وتقليل احتياجها من مصادر الطاقة التقليدية، حيث تساهم محطة النجاح بتقليل ما بين 20 – 25% [2]من الفاتورة الكلية للكهرباء للجامعة، وتسعى الجامعة الى بناء محطات أخرى من اجل الوصول الى الاكتفاء الذاتي من الكهرباء.
يواجه قطاع الطاقة المتجددة في فلسطين تحديات كبيرة وصعبة بسبب شح الإمكانيات المتعلقة في إدارة الطاقة او انتاجها والوضع السياسي والاقتصادي وغيرها من العوامل الأخرى التي تحد من انتاج الطاقة فمثلا زيادة عدد السكان في مناطق محصورة جدا وبالتالي شح الأراضي التي يمكن بناء محطات الطاقة الشمسية والرياح عليها، بالإضافة الى نقص الخبرات البشرية في اصلاح المعدات المتطورة وصعوبة استيراد المنتجات الأساسية والاولية الخ.
لكن، رغم التحديات والمصاعب، ما زال بالإمكان الاعتماد على الطاقة المتجددة وانتاجها طاقة كهربائية لحد كبير تساهم في التقليل في الاعتماد على موارد الطاقة التقليدية بالإضافة الي المضي في اتجاه تحقيق الاستقلال الكهربائي. وأول الخطوات لتحقيق ذلك هو خلال رفع وعي الناس عن اهمية انتاج الطاقة الكهربائية والنتائج المترتبة على هذا. على سبيل المثال يجب إطلاق برامج تدريبية وتعريفية عن أهمية الاعتماد على الذات في انتاج الطاقة الكهربائية من خلال مصادر الطاقة المتجددة، من خلال استهداف فئات المتخصصين في قطاع الطاقة او برامج أسهل تستهدف فئات الشعب العام، يمكن تنفيذ هذا بالتعاون من مؤسسات وهيئات حكومية تساهم في تسهيل تنظيم مثل هذه الانشطة، بالإضافة الى عمل أنشطة دورية مع حلول عملية تشرك الناس في معرفة أهمية انتاج الطاقة الكهربائية.
وتلعب الحكومات دورا مهما في تشجيع الناس على انتاج الطاقة الكهربائية من خلال تسهيل الإجراءات اللازمة لعمل محطات توليد طاقة كهربائية صغيرة بالإضافة الى اقتناء الادوات اللازمة التي تساعد على الإنتاج المطلوب.
يمكن أيضا الاعتماد على نقل الخبرات من الخارج الى فلسطين من خلال تدريب كفاءات من المتخصصين في مجال الطاقة الكهربائية والذين بدورهم سيعملوا على المساهمة في تحسين الإنتاج الداخلي والتقليل من الاعتماد على الخبرات الخارجية.
من الحلول الفعالة أيضا، تحفيز القطاع الخاص على تصنيع القطع الأساسية والاولية لقطاع الكهرباء لحين التخلص من الاعتماد الكلي على التصنيع الخارجي، بهذا ينعكس على تحسين قطاع الإنتاج وتنمية الوضع الاقتصادي في البلد، هذا بلا شك سيؤدي الى تحفيز الاستثمار المحلي والدولي في قطاع الطاقة المتجددة في فلسطين.
من الحلول العملية أيضا من اجل تحسين قطاع الكهرباء في فلسطين هو تحسين كفاءة الشبكات الكهربائية الحالية باستخدام مولدات ومحولات ذكية وشبكات جديدة، والذي سيساهم الى تقليل نسبة الفاقد في الكهرباء والتي قد وصلت الى حد 26%[3] في نهاية عام 2022.
انشاء صناديق لدعم الاستثمار في البنية التحية لقطاع الطاقة بالإضافة الى استقطاب الأفكار الإبداعية والمبتكرة من طلبة المدارس والجامعات وتحويل هذه الأفكار الى حلول عملية، سيساهم ذلك أيضا الى تفيز الابداع من اجل إيجاد حلول أكثر إبداعية وخلاقة.
في الختام، التحول نحو الطاقة المتجددة بما فيها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وإنتاج الكهرباء هو ضرورة ملحة وليس امرا ثانويا، فالاستقلال الكهربائي يحتم علينا إيجاد حلول مبتكرة من اجل الاستدامة في انتاج الطاقة والاستفادة منها بأقصى الدراجات وذلك لهدة اهداف منها الاستقلال الكهربائي، والتخلص من تبعية الامدادات الكهربائية من الشركات الإسرائيلية والسيادة في التحكم في مصادر الطاقة المتنوعة. وبالتالي فان ذلك سيؤدي الى زيادة المعروض من انتاج الطاقة وحسب ما هو معرف في الاقتصاد فزيادة المعروض سيؤدي الى نقص في الطلب وبالتالي نقص القيمة، وعليه سينخفض سعر الكهرباء وتصبح متوفرة بكل سهولة امام الجميع وهكذا يتم تحقيق الاستقلال الذاتي في مجال الكهرباء بشكل خاص وفي قطاع الطاقة بشكل عام.
[1] %87 من كهرباء فلسطين مصدرها إسرائيل ومساع حكومية لتقليصها | اقتصاد | الجزيرة نت
[2] جامعة النجاح الوطنية – جامعة النجاح الوطنية تفتتح محطة “النجاح” الأولى للطاقة الشمسية
[3] سرقة الكهرباء في فلسطين تضاعف أزمة شركات الطاقة – الطاقة